لماذا تعاند حكومة دولة قطر بشدة في مسألة طرد أفراد من جماعة الإخوان المسلمين منها, مع أنهم مصنفون إرهابيين خليجيا؟! وما العيب لو أن هذه الحكومة أرجعت الذين يحتمون بها إلي بلدانهم الأصلية, علي الأقل من باب إثبات حسن النية, وأنها لا تريد أن تغرد خارج السرب الخليجي, وأنها متمسكة بهذا التحالف الإقليمي؟! ولماذا تكابر الحكومة القطرية بشكل مذهل بأن تلجأ إلي دولتين إقليميتين, تركياوإيران, وهما اللتان لديهما مشروعاتهما السياسية في المنطقة, وتتوسل إليهما من أجل جلب قواتهما بحجة حمايتها من أشقائها الخليجيين, مع أن القطريين يدركون نوايا الدولتين ويعرفون بأنهما لا تقدمان خدمات سياسية مجانية؟! هذه نوعية الأسئلة التي يطرحها الرأي العام الخليجي, سواء في اللقاءات التي تتم داخل المجتمع, أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي, وأنا أضعها هنا من باب محاولة فهم العناد لدي صانعي القرار السياسي القطري, والذين يمكن من خلال هذا النهج أن يدمروا دولة قطر قبل أن يضرها من تزعم أنها تريد الاحتماء منهم, أي دول الخليج التي تراها مصدر تهديد لاستقرارها! فعلي سبيل المثال, حاول نظام بشار الأسد الاحتماء بإيران, وكانت النتيجة, كما نراها اليوم, تدميرا شاملا للدولة والمجتمع. وكذلك لجأ الحوثيون إلي الإيرانيين للحصول علي المساعدات الإنسانية, والنتيجة هي أيضا كما نري. لذلك, علي صانع القرار القطري تقييم كيف كانت نتائج تلك المواقف والسياسات. كما أن إبراز هذه التساؤلات هو من باب تفكيك بعض أساليب وطرق الإخوان المسلمين الملتوية في توريط من يأمن لهم, حيث لا يمكن الفكاك من حبالهم بسهولة, بل إن الأمر يحتاج إلي شجاعة في القرار بدلا من المكابرة وتأزيم المشكلة بسياسات لا تدل علي عقلانية وحكمة من يديرها. إن إدارة الأزمة هنا تحتاج تفضيل الحكومة القطرية الجانب الخليجي, من خلال مصداقية التعامل والتعهد المطمئن, ليس بتوقيع معاهدات مع الأتراك والإيرانيين. الطريقة التي تعالج بها قطر الأزمة تحمل ملامح من أسلوب الإخوان المسلمين, وهي إشعال المنطقة بكل من فيها وإثارة الفوضي حتي لو أدت إلي تدمير كل شيء, بما في ذلك الإخوان أنفسهم. ومعروف أن وصول شخص إلي هذه الدرجة هو تأكيد بأنه متورط ولا يريد أو بالأصح لا يستطيع الإعلان عن تغيير مواقفه, ربما لأن الثمن سيكون غاليا أو لأنه لا يملك شجاعة اتخاذ قرار الفكاك, وبالتالي تكون الحكومة القطرية مضطرة للسير مع الإخوان إلي النهاية أو اتباع سياسة الأرض المحروقة ولو عبر الاستعانة بقوات من تركيا تمثل نحو نصف الجيش القطري نفسه, وربما في قادم الأيام بقوات من الحرس الثوري الإيراني أيضا. بلغة أخري, فإن الاحتماء بقوات تركية والتفكير في الاستعانة بقوات إيرانية هو استمرار من جانب قطر في الإساءة لشقيقاتها من الدول الخليجية التي سجلت عتابها السياسي منذ أعوام علي سياسات الدوحة التي تهدد الاستقرار في المنطقة, وفي هذه المرة أوضحت غضبها السياسي بعدما نفد صبرها تجاه تناقضات قطر. والغريب في الأزمة الجديدة أن العناد السياسي القطري يذكرنا بموقف صدام حسين ونظامه في مرتين اثنتين; الأولي: أثناء غزوه لدولة الكويت ورفضه كل المحاولات لحل الأزمة, فكانت الحرب التي خسرت فيها المنطقة كلها وربحت إيران. والمرة الثانية: خلال عام2003 حيث تجاهل صوت الحكمة والعقل الصادر من الدول الخليجية بترك السلطة, فكانت النتيجة سيطرة الإيرانيين علي العراق.. فهل يكون من العقل بعد كل هذا الاستعانة بإيران أو تركيا؟! الخلاصة هي أن أسلوب إدارة صانع القرار في قطر لهذه الأزمة رفع من وتيرة الغضب الخليجي ووسع من السخط المجتمعي, ومن ثم زاد التشدد في الموقف السياسي وحتي الرأي العام الخليجي والعربي, لأن ما يقوم به هو استفزاز صريح, فهو يقدم طوق النجاة للنظام الإيراني ولالإخوان المسلمين بعدما بدأت الجهود الخليجية تثمر في تضييق الخناق عليهما وإحكام السيطرة علي تغلغلهما في المجتمعات العربية. والغريب في الموضوع أنه في الوقت الذي استوعبت فيه إيران توجه السياسة الدولية الذي يسير نحو التشديد علي التنظيمات الإرهابية من خلال اختلاق قضية تفجير قبر آية الله الخميني استعدادا لإقناع الرأي العام العالمي بأنها لا تدعم الإرهاب, فإن حكومة قطر تبدو وكأنها تؤكد للعالم أنها الداعم الأساسي والوحيد للإرهاب وبفخر! المشهد في قطر بات مقلوبا علي نحو غريب, فمن كان يتوقع أن يأتي يوم يتوسل فيه صانع القرار السياسي القطري بدول تعتبر أعداء لدول الخليج والعرب( إيرانوتركيا) بأن تحميها من أشقائها أو علي الأقل من دول تتشارك معها المصير السياسي, وترتبط معها بعلاقات تاريخية وأسرية, فهل إلي هذه الدرجة وصل العناد والتعنت القطري؟! إن أبسط ما يمكن قوله الآن هو أن صانع القرار القطري يدمر مواقف بلاده وسمعتها دوليا, وقيمها السياسية خليجيا وعربيا, لحسابات أطراف لا تضمر لأبناء هذه المنطقة إلا شرا.