من النهاردة مفيش حكومة.. أنا الحكومة, جملة قالها أحمد السقا في فيلم الجزيرة هي تلخص حالة الانفلات الأمني... الذي أصبح سمة أساسية في الشارع المصري الآن, في فترة مابعد25 يناير, حيث أصبحت البلطجة والعنف واستعراض القوة هي اللغة السائدة, في ظل تراجع الوعي والمبادئ ومنظومة القيم في المجتمع. الانفلات الأمني ليس سببه فقدان الثقة بين الشعب والشرطة, كما أنه ليس نتيجة مباشرة للثورة, فالانفلات الأمني وراءه ثقافة شعب, ومفاهيم خاطئة, فرغم أن ثورة25 يناير استطاعت أن تغير نظام الحكم في مصر, وتقضي علي بعض أوجه الفساد فيها, إلا أنها لم تستطع تغيير أسلوب تفكير أو ثقافة بعض الشباب الذين يخطئون إدراك مفهوم الرجولة, حيث يرون أن استخدام الصوت العالي في أي مشادة حتي لو كان سببها تافها, هو إثبات لابد منه للطرف الآخر علي القوة والرجولة. بعض المواطنين أصبح يشتري الأسلحة لحماية أهله وبيته من البلطجية, كما يستخدم الشباب الأسلحة ويلجأون للاشتباكات العنيفة والدموية لإثبات شجاعتهم وقوتهم, لاعتقادهم أنها الطريقة الوحيدة التي يستطيعون من خلالها الحصول علي حقوقهم. أصبح شعار الكثيرين في الشارع آخذ حقي بدراعي عشان محدش بيجيب حق حد, وبرغم أن الأجهزة الأمنية مكبرة دماغها, كما يري كثيرون, إلا أنها ليست المسئولة عن انتشار البلطجة في الشارع المصري, في ظل الاستهانة بالقانون والاستخفاف بالأمن وعدم إدراك أن الحرية لها سقف وأنها ليست مطلقة. البعض الآخر اكتفي بالترحم علي أيام الرئيس المخلوع اللي مكنش بيحصل فيها كدا, بعد أن أصبح سماع أصوات طلقات الرصاص وصراخ الأمهات ومشاجرات الشباب, التي تسيل فيها الدماء, أمرا معتادا وكذلك الرعب الذي ينتاب الأهالي بعد هذه المشاهد الدموية التي لم يكن أحد يراها سوي علي شاشات السينما, علي طريقة إبراهيم الأبيض. عدم الوعي بمعني الحرية وحدودها, جعل أما تقود ابنها إلي حبل المشنقة بعد أن دفعته إلي أن يكون قاتلا, ولم أكن أتخيل أنه من الممكن أن أري مشهد قتل بعيني وأنا في شرفة منزلي, عندما وقع خلاف بين جارين وبعد أن تبادلا الشتائم شعر أحدهما وهو شاب في العشرين من عمره أن جاره قد أهانه فأخرج الطبنجة وأطلق النار عليه فأصابه في رقبته ولقي حتفه في الحال. قضت ثورة يناير علي القمع وكبت الحريات في عهد النظام السابق, ووقتها كان البلطجية تحت سيطرة الأمن, لكن مناخ الحرية الذي أعقب الثورة كان جديدا عليهم, وعندما وجدت الحرية مع عدم الوعي بمتطلباتها انتشرت البلطجة في الشارع المصري وهو مادفع كثيرين إلي القول ولا يوم من أيامك يا مخلوع. وتشير تجربة اللجان الشعبية بعد انسحاب الشرطة في بداية ثورة يناير إلي أن الناس يستطيعون حماية أنفسهم بأنفسهم, رغم ما أشيع من قبل رجال وإعلام النظام السابق من شائعات حول هجوم جموع البلطجية علي الأهالي والمواطنين ليثيروا الرعب بين الناس ويضطروهم لرفض الثورة ومبادئها ومطالبها المشروعة. وليس معني انتشار البلطجية أن الشعب المصري بأكمله بلطجي, كذلك ليس معني وجود ضباط وأفراد شرطة متواطئين ومتخاذلين أن جميع أفراد الشرطة فاسدون, فمن المشاهد السيئة اليوم إذا قام شرطي بالتدخل لفض أي اشتباك بين مواطنين يقومون بالتعدي عليه لمجرد أنه فرد شرطة ويتهمونه بقتل المتظاهرين في الثورة. تحتاج الأجهزة الأمنية بمصر إلي تكثيف وجودها بالشارع والضرب بيد من حديد علي كل من يلجأ لأسلوب البلطجة وإرهاب الناس, وكذلك توقيع أقصي عقوبة علي كل بلطجي ارتكب أي جريمة, في الوقت الذي تحتاج فيه مصر لوقف النزيف الذي تعاني منه والوصول بها لفترة النقاهة لأن القتل وترهيب الناس لايقل عن جريمة الخيانة العظمي ورغم سطوة البلطجية علي الشارع المصري فإن جهود المواطنين يجب أن تسبق جهود الشرطة للسيطرة علي الوضع الأمني وعاشت مصر وعاشت ثورة مصر.