حين تختلط العبادات بالعادات فلا دين ولا دنيا.. وعندما يتم اقتصار فعل الخير عند البعض علي شهر واحد في العام فلا معني للخير الحقيقي في نفوسهم.. فالفقراء لا تقتصر حاجاتهم علي شهر واحد فقط في العام كما أن رب رمضان هو رب جميع شهور السنة أيضا.. ولكن البعض يتغافل عن هذه الحقيقة المؤكدة ويختصرها في بضعة أيام في العام معللا ذلك بأن النبي كان أجود ما يكون في رمضان فيغفل كذلك أن أجود فعل تفضيل أي أن الأصل في الفعل كان الجود طوال العام وفي رمضان يكون أجود.. وأن مساعدة الفقير والمحتاج لا تقتصر علي هذا الشهر وأن فعل الخير ليس محددا بمواسم أو مواقيت بعينها في السنة.. وأن الله يحاسب عباده علي أعمالهم طيلة أيام العام وليس فقط في شهر رمضان كما يتوهم البعض ممن يغضون الطرف عن عوز الفقراء والمحتاجين فيما عدا هذا الشهر.. ليتحول فعل الخير إلي مجرد عادة لا تمت لجوهر الفعل ومعناه الإنساني بصلة حقيقية.. فلو أن هؤلاء ممن يدعون الخيرية ويتشدقون بها في شهر رمضان فقط اهتموا بمساعدة المحتاجين في كل وقت وراعوهم حق الرعاية في كل حين لما أصبح في المجتمع من هم دون خط الفقر كما هي الحال الآن.. فالتكافل الاجتماعي فرض عين علي كل مواطن مصري مقتدر ماليا ومساعدة الفقراء علي متطلبات المعيشة ليس مسئولية الدولة وحدها كما يظن البعض ممن يلوكون ليل نهار سيرة المحتاجين والغلابة دون أن يمدوا لهم يد العون ولو بالمساهمة في أي مشروع تقيمه الدولة لدعمهم والارتقاء بحياتهم لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة التي يتطلع إليها كل فرد في المجتمع.. إلا أن بعض الأفراد بدلا من أن يشاركوا بأي دور إيجابي في تحقيق هذه العدالة التي يطالبون بها نكاية في الدولة لا إحساسا حقيقيا بهؤلاء الفقراء الذين يتحدثون عنهم.. فلو أنهم كانوا يشعرون حقا بعوز المحتاجين لدأبوا علي مساعدتهم طيلة العام دون انتظار قدوم شهر بعينه.. إن فعل الخير الحق يجب أن يكون خالصا لله والله يتقبل العمل الصالح في كل يوم يحياه الإنسان علي وجه الأرض.. وإن حاجة الفقير لا تتغير بتغير المواسم والفصول ولا تتفاقم في شهر بعينه من شهور العام دون الأشهر الباقية حتي يضطر إلي انتظار شهر رمضان لتلقي مساعدات القادرين.. فالمشكلة الحقيقية التي أصبحنا جميعا نعاني منها ليست في وجود فقراء في المجتمع فكل المجتمعات بلا استثناء يوجد بها فقراء وأغنياء وطبقات اجتماعية متباينة إنما في مظهرية العبادات التي يمارسها البعض وخلط العبادة بالعادة الأمر الذي أوصل المجتمع إلي حالة من الانفصام والانقسام والتردي في كثير من السلوكيات فيما بين أفراده, وأوصل بعضهم إلي السخط علي الوطن نفسه لارتفاع أسعار الياميش الرمضاني وكأن عبادة الصيام التي من المفترض أنها عبادة زهد واستغناء لا تصح بدونه أو أن وجوده علي مائدة الإفطار شرط من شروط تقبل الله لها.. وكما الياميش هو مزيج من الفواكه المجففة التي ليس لها فائدة صحية وبعض المكسرات التي ليست من أساسيات الحياة كذلك أصبحت حال الكثيرين في المجتمع مزيجا من التناقضات التي لا تتفق وبعضها البعض.. ففي الوقت الذي يتشدقون فيه بحاجة الفقير يتكالبون علي شراء سلع غذائية ليست من أساسيات الطعام ولا الصيام ثم يشتكون من ارتفاع أسعارها في الوقت الذي كان بإمكانهم الاستغناء عنها ومساعدة فقير بحاجة إلي ما هو أساسي بالفعل لمعيشته.