أبدأ أولا بتهنئة جميع المصريين بشهر رمضان الكريم. فاليوم هو الأول من رمضان. هذا الشهر الذى له مكانة خاصة فى قلوب المصريين جميعا لا فرق بين مسلم ومسيحى فى الاحتفاء بهذا الشهر الفضيل. فالكل ينتظره والكل يستعد لاستقباله لما له من مكانة خاصة فى نفوس جميع المصريين على حد سواء. نعم هو شهر الخير والكرم والنفحات الربانية. ولكن هل للخير مواسم بعينها؟ وهل للكرم مواقيت؟ وهل الله الذى نعبده جميعا هو رب شهر رمضان فقط دون باقى شهور العام؟ أسئلة كثيرة ألحت وتزاحمت فى ذهنى قبل كتابة هذا المقال. جعلتنى أتوقف عند الكثير من المشاهد المجتمعية التى لم أجد لها تفسيرا منطقيا حتى الآن والتى أردت تسليط الضوء عليها بطرحها علنا جميعا نعيد النظر فيها ونقومها فى أنفسنا. فالبعض على سبيل المثال ما أن يقترب رمضان حتى يبدأ بالشكوى من ارتفاع أسعار الياميش والمكسرات. إلخ. وكأن صيامهم لن يُقبل بدون ياميش! برغم أن الأصل فى عبادة الصوم هو الزهد وهو الإمساك عن أساسيات الحياة كالماء الذى جعل الله منه كل شيء حي. فإذا كان هؤلاء الصائمون يستطيعون الامتناع عن شرب الماء فى هذا الطقس الحار فكيف لهم لا يستطيعون قضاء رمضان بدون ياميش ومكسرات! والبعض الآخر يعتقد أن مساعدة الفقير واجبة فقط فى شهر رمضان فيبدأ سباق التبرعات لتجهيز الشنط الرمضانية وبالطبع دعم المحتاجين شيء محمود فى رمضان ولكنه أيضا واجب إنسانى فى بقية شهور العام وليس فقط فى رمضان كما يتصور البعض. فلو أننا اعتنقنا مبدأ مساعدة الفقير والمحتاج طيلة العام لما أتى رمضان وهناك فقراء بحاجة ماسة إلى تلك التبرعات التى يستغلها بعض الشخصيات العامة للدعاية والظهور الإعلامى وتستغلها بعض الجماعات المتطرفة والإرهابية لاستقطاب الفقراء والمحتاجين إليهم. نعم إن رمضان شهر الخير ولكن لا يعنى هذا أن فعل الخير مرهون فقط بشهر رمضان وحده. ففعل الخير محبب فى كل يوم يمر على الإنسان وهو على قيد الحياة. أما المشاهد الأكثر استفزازا فى هذا الشهر الفضيل والتى ما أنزل الله بها من سلطان هو تصور البعض أنهم أكثر إسلاما وتقوى من الآخرين حتى أنهم ينصبون أنفسهم أوصياء على عباد الله فيما يتعلق بالعبادات التى هى فى الأساس بين العبد وربه. فنجد هؤلاء الأوصياء ينكرون على غير الصائمين عدم صيامهم الأمر الذى لا يحق لهم، فبعض الناس لا يستطيع الصوم لمرض مزمن أو لظروف صحية طارئة أو لأى أسباب أخرى لا يحق لبشر أن يحاسبه عليها. فالله وحده هو صاحب الحق فى محاسبة الناس عليها. فنحن نتعبدلله لا للبشر فكيف لبشر أن يجعل من نفسه نصف إله ويحاسب الناس على عباداتهم. ومن المشاهد الغريبة أيضا فى هذا الشهر الفضيل المنشورات التى تعج بها مواقع التواصل الاجتماعى فى هذا الشهر والتى يتباهى كاتبوها بعدد الأجزاء التى قرأوها من القرآن وبعدد المرات التى أنهوا قراءتهم للقرآن وبعدد الركعات التى ركعوها لله رب العالمين! وكأن الله سيضاعف لهم الثواب بعدد مرات الإعجاب بمنشوراتهم تلك! إن العبادات إن لم تجعل من المتعبدإنسانا حقا طيلة أيام العام ليست عبادة حقيقية. وإن لم تكن خالصة لوجه الله فلا ثواب عليها. إن التظاهر بالعبادة لا يعنى صدقها. ولكل هذه النماذج الغريبة التى أصبحت تشوه حياتنا وديننا أقول: صوموا صدقا تصحوا مجتمعيا وإنسانيا ودينيا.