البخل داء فتاك كم فرق بين أحباب وأغلق بيوتا وهدم أسرا ودمر مجتمعات وزرع الحقد والغل في الدور فتقطعت الأواصر وانصرمت الوشائج وقام علي اساسه سوق الحسد والبغض ويشعر بأن صاحبه لا يثق في الله تعالي فهو دائما يسيء الظن بخالقه ويحسب انه لن يرزقه ولن يكرمه وهو من الأخلاق المذمومة التي نهانا عن التخلق بها ديننا الإسلامي الحنيف, لأن البخيل يمتنع عن البذل والعطاء في أي وجه من وجوه الخير بل قد يبخل علي من تجب عليهم نفقته من زوجته وأولاده, فعندما يريد أن يعطي بعضا مما يملك لغيره يجد في ذلك مشقة فلا يقبل البذل الجود, لكن الكريم يبسط يده بالعطاء ويرتاح لبذل المعروف في أوجه الخير المتعددة. يقول الدكتور عبدالله أبو الفتح بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر قد يتعدي البخل ويتجاوز الحد بضن الشخص بالشيء الذي لا يضر بذله ولا ينفع منعه, لأنه لا يريد أن يعطي أحدا شيئا مما أولاه الله من النعم ولأن البخيل جحود لنعمة الله فإنها لا تظهر عليه, ولا تبين لا في مأكله ولا في ملبسه ولا في إعطائه وبذله مع أنه قد يكون من الأغنياء الذين جاد الله تعالي عليهم بالثروة العظيمة, ولقد ذم الله عز وجل الذين يبخلون بأموالهم فلا ينفقونها فيما أمرهم الله بالإنفاق فيه, فقال عز من قائل:( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير) أي ولا يحسبن الباخلون الذين يمتنعون عن بذل ما بأيديهم من النعم في وجوه الخير المتعددة, لا يظنن هؤلاء أن بخلهم هذا خير لهم, بل إنه شر لهم, لأنهم سوف يطوقون ما بخلوا به وامتنعوا عن بذله وإعطائه لغير هم يوم القيامة, قال ابن مسعود وابن عباس والشعبي وغيرهم: أي يجعل ما منعه من الزكوات والحقوق حية تطوق في عنقه يوم القيامة تنهشه من فوقه إلي قدمه. ويضيف الدكتور عبدالله أبو الفتح أن ذم البخل يتجلي واضحا في دعاء رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث قال:( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل, وأعوذ بك من الجبن والبخل, وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) فهذا الحديث الشريف يدل بوضوح علي أن الإسلام يذم تلك الصفة البغيضة وأسوأ أنواع البخل هو الشح, والفرق بينهما أن البخيل قد يمتنع عن الإنفاق علي غيره بينما ينفق علي نفسه, أما الشحيح فهو الذي يبخل علي نفسه وعلي غيره, بل إنه يكره أن يري أحدا ينفق المال لأي سبب, لأنه يعتبر أن المال الذي يختزنه هو أو غيره كنز لا ينبغي التفريط به مهما كان السبب ولهذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم, حملهم علي أن سفكوا دماءهم, واستحلوا محارمهم), وقال صلي الله عليه وسلم أيضا:( لا يجتمع شح وإيمان في قلب رجل مسلم). والبخل والشح سببان للحرما من الأجر المترتب علي الإنفاق في أبواب الخير, وهما أيضا سببان لكراهية الناس, فالبخيل والشحيح مبغوضان حتي من أقرب الناس إليهما لزوجة والأبناء والأقرباء, بل قد يصل بهم الحد إلي أن يدعو هؤلاء عليه, ويتمنون موته, حتي يستطيعوا التنعم بما حرمهم منه من أموال. والحقيقة أن كثيرا من الناس لايفرقون بين البخيل والمقتصد, لكن الصحيح أن هناك فرقا كبيرا بين كل منهما فليس الاقتصاد في الإنفاق من البخل في شيء لأن الشخص المقتصد يدخر جزءا من ماله لينفقه في أمور مهمة مستقبلا, وهو في ذات الوقت لا يبخل علي نفسه ولا علي أهله بالإنفاق بل يأتي بكل ما يحتاجه من حاجيات أساسية, ويؤتي الزكاة وقد يخرج الصدقات, لكن مع إبقاء جزء من ماله محفوظا لسبب معين كأن يرغب بتوفير المال لدراسة أبنائه أو لعمل مشروع يجني منه الأرباح. ويقول الشيخ رضا عبدالحميد الخولي من علماء الأرقاف البخيل هو الذي بين يديه من الخير والمال والنعمة ويظن أنه لو انقضي فلن يأتي بعده خير ولن يخلف الله عليه بسواه وان امواله لو تصدق منها صار فقيرا معوزا كالمتصدق عليهم وما ايقن هؤلاء الظانين بالله ظن السوء ان المال لا تنقصه الصدقة بل تنميه وتبارك فيه وهو مع ذلك يمنع صاحبه السيادة فالبخيل ليس بسيد في قومه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من سيدكم يا بني سلمه قلنا الجد بن قيس علي انا نبخله قال اي داء أدوي من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح فانظر كيف عد النبي البخل داء مانعا من سيادة الرجل وامامته قومه وتقدمه علي عشيرته وكيف سود علي القوم انداهم كفا واوسعه عطاء وأكرمه وابذلهم للمعروف. وماذا يفعل العبد بالمال إن لم يكتسب به الحسنات ورفعه الدرجات أو الذكر الحسن في الدنيا والسعادة فيها مع السعادة الخالدة في الآخرة. وقد قال تعالي في محكم تنزيله ذاما البخلاء وأما من بخل واستغني وكذب بالحسني فسنيسره للعسري وما يغني ماله إذا تردي( الليل) وهذا ذم ووعيد من الله للبخلاء بأن يجعل عاقبه أمرهم عسرا فلا يعرف اليسر والسهل اليهم سبيلا, وهذا حظ البخلاء يشقي أحدهم في جمع المال ويتعب ثم لا يجد من ذلك المال راحة لكونه لا يمتع به نفسه لينعم به في حياته ولا يصرفه في وجوه الخير ولا يعرف لله فيه حقا فيكون العسر الأكبر يوم القيامة فيحاسب علي كل درهم ودينار فما أبأس البخلاء يعيشون عيش الفقراء ويحاسبون حساب الأغنياء. فقمة الجنون أن يعيش المرء فقيرا ليموت غنيا وقد نهي الله نبيه الكريم عن البخل وقال ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا( الإسراء) فلم يكن البخل يعرف طريقا إلي رسول الله وكان من اندي الناس كفا ما يقع شيء في كفه إلا أنفقه ووصف الله عباده المؤمنين الذين أضافهم إلي نفسه فسماهم عباد الرحمن فنفي عنهم البخل فقال( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذالك قواما)( الفرقان67). ويشير الشيخ رضا إلي أن الله تعالي حذر البخلاء الذين يزين لهم الشيطان البخل والإمساك مبينا أن البخل شر عظيم وداء عضال مهلك قال الله تعالي( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير)( آل عمران180). ومع ذلك قد يفرح البخيل بما أمسكت يده ويحسب أنه قد ربح ويعجب بكثرة ماله وما علم أن هذا المال سيطوقه في نار جهنم إن لم يرحمه الله وبين الحق أن البخل لا يعود ضرره إلا علي أهله فقال عز من قائل( ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)( محمد38). فالبخيل محروم في الدنيا ومؤاخذ في الآخرة فهو مكروه من الله عز وجل مبغوض من الناس ومن هنا قال القائل: جود الرجل يحببه إلي إضراره وبخله يبغضه إلي أولاده, وقال آخر البخل هو محو الصفات الإنسانية وإثبات عادات الحيوانية, فالبخيل شخص يعيش طيلة حياته دون أن يتذوق طعم الحياة, وقد مدحت امرأة عند رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالو: صوامة قوامة, إلا أن فيها بخلا قال( فما خيرها إذا) وقد تتسع دائرة البخل حتي تشمل امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله تعالي عليه فتري البعض يبخل بنفسه وماله ووقته عن تأديته حقوق الله أو النفس أو الخلق. والشح أشد في الذم من البخل ويجتمع فيه البخل مع الحرص وقد يبخل الانسان باشياء نفسه واشد منه دعوة الآخرين للبخل( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل)( النساء) وقد يصل البخل بصاحبه إلي ان يبخل علي نفسه بحيث يمرض فلا يتداوي وفي المقابل فأرفع درجات السخاء الايثار وهو ان تجود بالمال مع الحاجة اليه وقالت ام البنين اخت عمر بن العزيز رحمها الله اف للبخيل لو كان البخيل قميصا ما لبسته ولو كان طريقا ما سلكته فإياك والبخل فقد علمت ما جاء فيه من الذم فدرب نفسك علي الجود والكرم وتعامل مع الرب الكريم الذي لا تضيع عنده مثاقيل الذر فعندك من النباهة والفطنة ما يخلصك من المعرة في الدنيا والآخره عن ابن عباس( لما خلق الله جنه عدن بيده ودلي فيها ثمارها وشق فيها انهارها ثم نظر اليها فقال قد افلح المؤمنون) قال وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل