كان الملك بنص الدستور يملك ولا يحكم. لم يكن ذلك حقيقيا فالملك كان يملك ويحكم. في العصر الجمهوري أصبح الحكم للشعب بنص الدساتير المتتالية.ولم يكن ذلك أيضا حقيقيا. فالرئيس هو الذي يحكم. في العصر الملكي كان هناك أسلوبان لتغيير رؤساء الوزارات..إذا كان رئيسالوزراء من رجال الملك وكان معظم هؤلاء من أحزاب الأقلية فإن مندوبا ملكيا كان يبلغ رئيس الوزراء بالرغبة السامية. ساعتها فإن رئيس الوزراء الذي كان حتي ساعة إبلاغه زي القرد يكتشف فجأة أن صحته لا تساعده علي مواصلة مهامه فيطلب من الملك قبول استقالته لأسباب صحية. أما إن كان رئيس الوزراء من حزب الأغلبية وهو الوفد فكان الملك يضن عليه بمنحه شرف الاستقالة ويوجه اليه خطاب إقالة متضمنا كل القطط الفطسة كسبب لإقالته. في العهد الجمهوري وحيث الرئيس هو الحاكم اختفت مسألة الاستقالة إلا في حالات تعد علي أصابع اليد الواحدة وبقيت مسألة الإقالة وإن اتخذت مسمي آخر هو التغيير. ينسب الي الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف بعد ثورة يوليو1952 وأحد المقربين من عبد الناصر الي أن تمت الوشاية به لدي الرئيس أنه عرض علي عبد الناصر أن يقدم استقالته وأن عبد الناصر رد عليه قائلا أنا معنديش حد يستقيل وطلب منه أن يلزم بيته وهو ما فعله الرجل. كان المغزي إن صحت الرواية هو أن الرئيس هو الذي يختار وهو الذي يعزل وأن مرد الأمر كله اليه وأن إقدام أحد علي الاستقالة يعني أن لديه إرادة منفصلة ومستقلة وأنه يملك أن يختلف مع الحاكم. ولم يكن شيئا من ذلك مسموحا به. مع إلغاء الأحزاب بعد ثورة يوليو ومع حالة الوهن والهشاشة للأحزاب التي سمح لها بالقيام منذ عام1976 فقد أصبح اختيار الوزراء ورؤساء الوزارات منوطا بالرئيس وفق معايير يراها كل رئيس وبناء علي تقارير ترفعها إليه أجهزة مختصة أو بناء علي معرفة الرئيس الشخصية ببعض هؤلاء وقدراتهم. لم يعد الشعب طرفا في اختيار وزرائه بمثل ما كان عليه الحال عندما كان ينتخب حزبا يحوز الأغلبية في مجلس النواب وهو ما كان ينطبق علي حزب الوفد في العصر الملكي حتي وإن كانت الإقالة دائما هي مصير حكومات حزب الأغلبية. ولم تعد تعرف الأسس التي يتم علي أساسها اختيار الوزراء باستثناء نبذ تنشرها الصحف عن السيرة الذاتية لمن تم اختيارهم. تبدو هذه النبذ دائما مبشرة وواعدة لكن عندما يتم إقصاء الوزير ودائما دون تفسير فإن ذات الصحف لا تتذكر ما نشرته عمن أقصي وتصبح مشغولة بنبذة من حل محله. في الأسبوع الماضي أصدر الرئيس قرارا بتكليف الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس رئيسا للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بدرجة وزير لمدة عام بالإضافة الي رئاسته لهيئة القناة دون إشارة إلي الدكتور أحمد درويش رئيس الهيئة الاقتصادية. هل استقال الدكتور درويش؟.. ما نسب اليه في بعض وسائل الإعلام يقول إنه لم يستقل. هل أقيل؟ أيضا بعض ما نسبته بعض وسائل الإعلام إليه يقول إنه لم يبلغ بقرار إقالة. منذ ثورة يوليو وحتي الآن هناك عشرات الشهادات من وزراء يقولون فيها إنهم لا يعرفون لماذا جيء بهم إلي مناصبهم ولا يعرفون كذلك لماذا تم الاستغناء عنهم. غيبة الشفافية في مثل هذه الأمور تضر بالنظام كما تجعل من تم الاستغناء عنه عرضه لشائعات تجعله بعضها بطلا ويهوي به بعضها الآخر إلي الحضيض لأن السبب مجهول.