علي عكس المرتقب, صدقت التوقعات فيما يخص نتائج الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. وللمرة الثانية خلال خمسة عشر عاما, أرسل الناخب الفرنسي بصدمة الي صناديق الاقتراع. تتمثل في وصول مرشح الجبهة الوطنية, اليمين المتطرف, الي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. فكما حدث في عام2002 عندما فاز جان ماري لوبن, رئيس الجبهة الوطنية في ذلك الوقت, في الجولة الأولي من الانتخابات ليواجه جاك شيراك في الجولة الثانية, مرة أخري فازت الابنة ماريان لوبن في الجولة الأولي لتواجه ايمانويل ماكرون في الجولة الثانية. الشخصيات تغيرت ولكن الصدمة واحدة. ولكن إن كان هذا الفوز قبل15 عاما وصف بأنه زلزال, فهو اليوم يمكن وصفه بأنه هزة أرضية متوقعة. فقد أظهرت العديد من الظواهر الفرنسية والأوروبية أن المد اليميني المتطرف سيبدأ في الانتشار مع تزايد العمليات الإرهابية داخل المدن الأوروبية; ومع تزايد حركة المهاجرين من دول الشرق الأوسط التي تعاني من الحروب. ولكن بالرغم من ذلك فإن الجولة الأولي من الانتخابات الفرنسية تبعث بعدد من الرسائل المهمة والتي قد تكون بداية لعصر جديد في السياسة الأوروبية. أولي تلك الرسائل هي أن الأحزاب التقليدية, الحزب الاشتراكي والجمهوري اليميني, لم تعد تتمتع بالشعبية التي حالفتها لأكثر من ثلاثين عاما. وأن برامجها لم تعد تواكب التغييرات التي تشهدها مجتمعات تلك الدول. فكما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب, توجهت مرشحة الجبهة الوطنية لمخاطبة مشاعر المواطن المطحون, الذي يعاني من البطالة وعدم الأمان, وتعهدت له بما يعتقد أنه الحل لكل مشاكله, وهو الخروج من الاتحاد الاوروبي ووقف الهجرة الي فرنسا. وبالنسبة لايمانويل ماكرون, مؤسس حركة الي الأمام يا فرنسا فقد خاطب الشباب, بحكم سنه وآماله وبرامجه الطموحة. ودعا من خلال حركته السياسية الي انتهاك سياسات جديدة, وصفت بأنها علي الحافة ما بين اليسار واليمين. وكونه كان وزيرا للاقتصاد في الحكومة الاشتراكية, ركز ماكرون برامجه علي حلول اقتصادية للخروج من الأزمة الاقتصادية. والسؤال الأهم اليوم هو من سيفوز بالرئاسة في الجولة الثانية المقررة في7 مايو الحالي؟ مثلما حدث في عام2002, تقوم الدولة والأحزاب السياسية في فرنسا بتعبئة جميع مواردها من أجل مساندة إيمانويل ماكرون, بعضهم ليس تأييدا للمرشح الشاب, ولكن رفضا لمرشحة اليمين المتطرف. وإن كانت قد نجحت تلك التعبئة في عام2002, عندما حصل جاك شيراك علي أغلبية تتجاوز82% من الأصوات في الجولة الثانية, إلا أنها قد لا تنجح بنفس القدر في عام.2017 أولا لأن مارين لوبن تعتمد علي عدة عوامل, منها ان ماكرون شاب يفتقد الخبرة السياسية خاصة انه لم يتول أبدا منصبا منتخبا; وثانيا أن ماكرون لا يسانده حزب, ولكن مجرد حركة سياسية قام بتأسيسها قبل عام واحد; لذلك فهو بحاجة الي مساندة كل الأحزاب الأخري. وأخيرا تعتمد لوبن علي خلفية ماكرون الاشتراكية خاصة وانه كان عضوا في الحزب الذي فشل في حكم فرنسا خلال السنوات الخمس الماضية. أما ماكرون فيعتمد في حملته علي تطرف مارين لوبن في سياساتها, فهي تمثل كراهية الأجانب والانعزال والانغلاق علي الذات. وهي كلها سياسات تثير المخاوف لدي المواطنين; ولقد شهدت فرنسا هزيمة اليمين المتطرف في كل من النمسا وهولندا في الانتخابات الأخيرة, وبدء ظهور مخاوف من سياسات تيريزا ماي, رئيسة وزراء بريطانيا عن المحافظين. كل التوقعات مطروحة, وكل الاحتمالات ممكنة; وخلال أيام قليلة ستضع فرنسا تصورها الاوروبي للمستقبل.