هو أصلا من أبنود.. فيه من الصعيد سمرته وأصالته.. ومن القاهرة تاريخها وتنوعها ومن إسبانيا حيث يقيم منذ ربع قرن عبق الأندلس القديم وبهجة حاضرها وحفاوتها بالحياة حيث رقصات الفلامنكو وأزياء البنات الفضفاضة المزركشة وحيوية الشباب في مصارعته للثيران حيث الحياة والموت وجها لوجه. وعن الحياة والموت وجها لوجه داخل الإنسان يحدثنا طلعت شاهين في روايته البديعة القصيرة النابضة البرتقالة والعقارب وأما البرتقالة فقد كانت تقيم داخل جمجمته في الخفاء وأما العقارب فكانت تتحرك أمام عينيه حيث يذهب في كل مكان ومنذ كان صغيرا.. وسواسا قهريا تدعوه إلي التحديق في كل ما يمسك به حيث لدغت أختا له في الطفولة وكادت تقتلها لولا تدخل شخص ما تخصص في امتصاص السم كان اسمه للمصادفة بهيج! .. وهو في المستشفي بإسبانيا حيث ستجري له عملية جراحية خطرة لنزع البرتقالة عن المخ والتي تهدده كورم ضاغط بالموت.. كان الموت يحوم حول غرفته بالمستشفي حيث ينام نصف واع في شكل واحد من المتأسلمين المقيمين بإسبانيا يرتدي جلبابا أبيض قصيرا يضرب علي الماء محدثا صوتا عاليا صائحا بصوته الأجش. ننبه أهل المرضي من المسلمين بأن لدينا لموتاهم تغسيلا إسلاميا بالماء الطاهر والكافور حسب السنة. وكانت هذه إحدي المهن التي امتهنها المتطرفون المتأسلمون الذين تكاثروا في إسبانيا مؤخرا وعملوا في كل شيء كما يقول طلعت شاهين: كان صوت الرجل عاليا ومنذرا وملحا بينما كان طلعت بعد عمليته الخطرة جدا في شبه غيبوبة داخل جرعة المسكنات الكبيرة وفي حاجة إلي أمل لا إلي إنذار بالموت لكن كحل عقلي للصراع يلجأ إليه الوعي كان طلعت شاهين يتعامل مع مخاوف الموت بروحين حيث أنقسم هو إلي شخصين أحدهما يواجه الآخر.. فطلعت العاشق للحياة منفصل عن عن طلعت المهدد بالموت,, ينظر إليه كآخر لا كهو نفسه ولعل ذلك ما أنقذه نفسيا أولا ثم جسديا بعد ذلك. علاوة علي زوجته الإسبانية التي عادت إليه في محنته بعد انفصالهما لعدة سنين لتقف معه وكإسبانية تجري في عروقها الدماء العربية لابد لم تكن تخلو من الغيرة فكانت تغار عليه وتحذره من الممرضات الجميلات حتي وهو في الغيبوبة! التقيت بطلعت شاهين في أتيليه القاهرة كان مبتسما طيبا.. متواضعا مصريا كاملا..أعطاني روايته الجميلة القصيرة الصادرة عن هيئة الكتاب رغم أنه شريك في دار نشر مع محمود الطويل صديقه المثقف الذي يذكره ويتذكره كثيرا في غربته.. الرواية جميلة ومشوقة وتحمل حيوية التجربة الصادقة ثم إنها في هذا الصدق تضعنا وجها لوجه أمام ثنائية الوجود: الحياة والموت والصراع الدائم بينهما.