أعطت أسرة الرئيس السابق حسني مبارك لنفسها كل مفاتيح السلطة وكل أسرار الأمر والنهي ومنحت ذاتها السلطان والعرش وتاج التحكم في كل شيء وبمجرد أن سقط النظام وتهاوت دولة الظلم وتحركت عصا العدالة, وبينما أسرة المخلوع لا تصدق ما يحدث دخلت نفس الأسرة وبنفس أفرادها دون السلطة وملذات العرش في حالة من الاكتئاب الذي يشاركهم غرف العلاج تحت الحبس الاحتياطي أو حتي جدران زنزانة في طرة مهما طالها من تحسينات. السياسيون يترجمون ما يحدث بأنها مجرد أسرة أفسدتها السلطة والطموحات الكاذبة التي جعلت كل أفرادها يعيشون علي أكذوبة وخداع الحمل الدائم للسلطة والمال وأدوات تسيير أوامر ما فوق وما تحت حدود الأمر والنهي. أما أساتذة الطب النفسي فيجمعون علي أن تلك الأسرة تنهار بالحياة في ظروف وعوالم لم يكن خيالهم يقودهم إليه في يوم من الأيام رغم مخالفة ذلك لحركة التاريخ. وكانت بدايات ذلك الانهيار في زوال شمس عن سيدة أدمنت الحياة في قالب الهانم وسيدة القصر التي تحكم وتملك وتفعل كل الأشياء.. وسقوط وريث يعيش في ظلال رئاسة كان يؤمن ويثق ويتأكد أنها حتما ستجيء.. وشقيق للوريث يجيد تحريك كل المفاتيح.. ورئيس ترك سلطاته للغة المنح والمنع والمصالح والعمولات له ولأذرع حكمه في زوجته وابنيه واصدقائهم وأقاربهم. ومازالت الطموحات تتلاشي والفضائح تتكشف وتدفع تلك الأسرة فسادها وطموحاتها. الدكتور عماد سعودي أستاذ الطب النفسي يري أنه يصعب الحكم علي نفسية أسرة الرئيس السابق في الوقت الحالي ولكن لنا أن نتخيل أن أسرة كانت تؤمن أنها تملك كل شيء ثم فقدته, موضحا أن حاشية الرئيس السابق وكل من كان يرأسهم جعلوه يشعر وكأنه اله وصاحب السلطة. ويقول أتصور أن الأسرة بأكملها في حالة انهيار وقد يصيبهم الاكتئاب الذي ينهي حياتهم.. ويوضح أن أهم الأمراض التي قد تصيبهم الاكتئاب وأمراض القلب والارتفاع في ضغط الدم مما قد يؤدي إلي جلطة في المخ وسكتة قلبية حيث تظهر عليهم الأمراض النفسية في صورة عضوية نتيجة لما يتعرضون له من ضغوط مستمرة ومخاوف وشعور بسحب ما كانوا يستمدون منه قوتهم وهي السلطة. وأشار إلي أن حالة نجلي الرئيس السابق جمال وعلاء طبيا ينبغي أن تسوء يوما بعد يوم, خاصة لطبيعة نشأتهم, موضحا أن هناك تعتيما إعلاميا علي نجلي الرئيس السابق أدي إلي صعوبة الحكم علي شخصيتهما ومدي قدرتهما علي تحمل هذه المواقف ولكن لا شك أن الصدمة تسيطر علي تفكيرهما. جنون العظمة وتوضح الدكتورة إيمان الشريف أستاذة علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن الأسرة بأكملها كانت تعاني من جنون العظمة ومع تعرضهم لما يعيشونه الآن يصابون بالاكتئاب والانهيار العصبي التام لأنهم كانوا يتصورون أنهم وحدهم من يملكون التحكم في كل شيء ومع حبسهم تتدهور حالتهم ويصابون بقمة الاكتئاب والانهيار لشعورهم بالذل, وقال إن هذه الأمراض تسمي بالسيكونفسية وتؤثر علي القلب وارتفاع ضغط الدم نتيجة كثرة الاضطرابات النفسية والبعض يتصور أنهم يتمارضون ولكن في الغالب هذا غير صحيح لأن الحالة النفسية تنعكس علي الحالة الجسمانية, خاصة بعد تحديد إقامتهم في المستشفي أو السجن. وتتصور أن نجلي الرئيس الآن يعيشان حالة ذهول وندم, وكما أنهما لم يستوعبا الثورة وتصوروا أنها زوبعة وستمر وذلك نتيجة ما يشعران به من كبرياء وعظمة استمرت طوال ثلاثين عاما وتتوقع أن تصاب سوزان بانهيار عصبي تام يؤدي إلي الاكتئاب مما قد يؤدي إلي انتحارها في حال نقلها إلي سجن القناطر. أما الدكتورة عزة كريم استاذة علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية فتري أن حبس الأسرة بالكامل هو أقصي عقوبة يمكن أن تقع علي الرئيس ورغم طغيان الكثير من الرؤساء السابقين بالدول العربية إلا أن منهم من توفي وآخرون تمكنوا من الهرب ولم يتمكن أحد من محاسبتهم موضحة أن الأسرة بأكملها كانت متسلطة ويشعر أفرادها أنهم مسيطرون علي الوطن بثرواته وأرضه وشعبه ثم فجأة أصبحوا في وضع المساءلة وينتظرون الحكم وهذا قد يصيبهم بالعناد والتكبر الذي قد يجعلهم يميلون لأذي الآخرين وهو ما يمكن تسميته بتحركات الثورة المضادة. وتوضح أن طول فترة الحكم جعلت الرئيس السابق يتخيل أنه فرعون يملك وليس يحكم فقط وهو ما لا يجعلهم لا يعترفون بمساوئهم, موضحا أن ذلك كان واضحا في أخر خطاب حينما قال أنا عملت كتير للبلد. تكرار الصدمات وتعتقد أن نجلي الرئيس سيصبحان غير سويين نفسيا مع كثرة الضغوط وسوف يشعران بالعزلة وعدم الانتماء مع تكرار الصدمات والإحباطات وستنتقل المشاعر التي حاولا أن يزرعاها في المواطن المصري إليهما. وتضيف الدكتورة عزة أتصور أن الحالة النفسية لزوجة مبارك أسوأ منه نفسيا, خاصة وأنها كانت الحاكمة الآمرة التي تخطط كل شيء, كما أنها كانت المسئولة عن التخطيط لسيناريوهات التوريث وتتبناها. انفصال عن الواقع ويري الدكتور عبدالهادي عيسي أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة, أنه يصعب تحليل أي شخص نفسيا إلا بالحديث معه ولكن يمكن أن يرصد الواقع المتوقع لهم وهو أن الأسرة بعد أن كانت تحكم وتقود تحولت إلي متهمة. ويوضح الدكتور عيسي, أن الرئيس المخلوع يعيش حالة من الذهول من قبل الثورة وانفصل عن الواقع وأصيبوا باللامبالاة وباجراء التحقيق معه أصيب بالاكتئاب الشديد وهو ما يعرضه لذبحة صدرية ولكن نجلي الرئيس السابق, أكثر مقاومة للاكتئاب ولكن في حالة دخولهما في حالة اكتئاب سيصابان باكتئاب شديد ويصبحان شخصين عدوانيين وهذا يؤدي إلي تفكيرهما في الانتحار. ويشدد علي ضرورة الاهتمام بالعلاج النفسي في مثل هذه الحالات قبل العضوي لأن الحالة النفسية لها عامل كبير جدا في تحديد الحالة العضوية. سيطرة وامتلاك أما الدكتور أحمد يحيي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس فيري أن أسرة الرئيس السابق حسني مبارك أفسدتها السلطة حينما وجدت نفسها بعد اغتيال السادات الأمر الذي دفعها إلي إساءة استغلال هذه السلطة وإحاطة نفسها بمجموعة من المستشارين ومن رجال الدولة الذين استطاعوا احتواء الابنين والزوجة وتوجيه الحياة من خلالهم للسيطرة علي مقدرات مصر وهو ما يعرف بالمطبخ السياسي. حيث نجحت مجموعة المطبخ في توجيه السياسة المصرية وفقا لمصالحها وأغراضها عن طريق ابني وزوجة الرئيس السابق. ويوضح أن طول فترة الرئاسة كان القائد يفتقد لرؤيته السليمة مما أتاح الفرصة لكي يكون للأسرة دور سياسي متمثل في الزوجة والأبناء, الأمر الذي زاد الطين بلة عندما ظهرت فكرة التوريث بتوجيهات من الزوجة ورغبة جارفة لديها في عدم خروج الحكم من الأسرة, بالإضافة إلي الضغط الشديد علي الرئيس السابق بشكل مباشر وغير مباشر من رجال نجله جمال للموافقة علي الفكرة وهوما ظهر واضحا في تعديل المادة(76) من الدستور وفي دور لجنة السياسات داخل المجتمع في اختيار بعض الوزراء والمحافظين ورؤساء الجامعات وغيرهم والتي كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير متمثلة في انتخابات2010. ويقول, إننا كنا نعلم يقينا من الشائعات بوجود فساد لكن من المؤسف أن يكون الفساد داخل بيت الرئاسة ويصل لهذا القدر والحجم والأخطر من ذلك ما يعرف بتوزيع الأدوار في العملية السياسية, وفي الوقت الذي كان فيه زكريا عزمي يتحدث عن الفساد والذي وصل إلي الركب فانه ومن حوله وصل لديهم الفساد إلي العنق, حيث كان التمرير للقوانين يتم والسيطرة علي الصحف والإعلام.. كان الكل يعمل بتهيئة المناخ لتنفيذ وصية التوريث وبذلك فقدت الأسرة شرعيتها ومشروعيتها وأصبحت الزوجة والابنان وبالأعلي الزوج وعلي من حوله وعلي مصر بصفة خاصة. ويقول, إن ما يحدث الآن للأسرة يعتبر مفارقة شديدة الوضوح في أن السلطة المطلقة مفسدة, حيث أدت بهم جميعا إلي السجن خاصة وأنها سببت لهم العديد من الأمراض النفسية والصحية ولكن السؤال الأهم هل لدي هذه الأسرة القدرة علي مواجهة تلك الأحداث وهل يملكون التوازن النفسي لمواجهة هذه المرحلة. أسرة تصدعت لكن الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس يقول: إننا الآن أمام أسرة تصدعت واختل ميزانها وقيامها, الأمر الذي يقودنا إلي ضرورة قيادة الأسرة القيادة الصحيحة فالأب هو القائد والمسئول عن رعاية أبنائه وجمع شمل الأسرة لكن ذلك لم يحدث بالشكل الذي نتطلع إليه فكان الأب لا يراعي مطلقا الأداء الأبوي الملائم لتربية الأولاد وأيضا الزوجة, مما أطاح بهم الفساد إلي تحطيم أواصر الأسرة وضياع قيمتها كتركيب إجتماعي ينبغي أن نحافظ عليه. ويؤكد أن الأب لابد أن يكون نموذجا وقدوة يحتذي بها, خاصة بعد أن شاهدنا أن الأب في أعلي المستويات لم يكن النموذج الذي يقتدي به فسرق الأب وتعلم الأبناء والزوجة فن السرقة فتلك هي الفضيحة لأسرة تصدعت وانهارت, والدليل علي ذلك عند توجيه قرار الحبس للسيدة سوزان مبارك انهارت وأصيبت بذبحة صدرية نتيجة للشعور بالذنب. ويصف الدكتور أحمد أبوالعزايم أستاذ الصحة النفسية بمستشفي أبوالعزايم الوضع المأساوي في أن تتناسي أسرة رئيس سابق من الرؤساء المرموقين في حرب أكتوبر مسئوليتها الأخلاقية تجاه أسرة الوطن وأن ينجلي الغم من الشعب ليكتشف عن أن كل فرد من أفراد الأسرة عليه تساؤلات كبري. ويقول الدكتور فتحي الشرقاوي أستاذ علم النفس السياسي إن ما نجده الآن أكبر دليل علي الاحساس بالمسألة وتوقع الجزاء المترتب علي ذلك لأشخاص لم يراودهم طيلة حياتهم فكرة الوقوع تحت المساءلة, خاصة وأن ذلك يفجر لديهم الإحساس بكل أنواع الصراعات النفسية من انهيار صورة الذات والشعور بالاكتئاب والإحساس بالقلق الدائم, مما يعجل بالنهاية إلي الانهيار التام جسديا ونفسيا وهو ما يفسر الاضطرابات الجسدية وكأنها محاولة للهروب الداخلي من فكرة المواجهة وتوقع الجزاء الذي يتناسب مع الفعل الذي تم ارتكابه. تحقيق: