يكشف استهداف الإرهاب للأقباط في أيام أعيادهم, عن شخصية مريضة, تكره الفرح وتخاصم السعادة, عن نفسية تقتات علي الكآبة والحزن, تنمو وتزدهر في الظلام, يقتلها النور وتخنقها البسمة والضحكة, تروج للعبوس والتجهم, ويمارس التكفيريون إرهابهم الأسود, ويعبرون عن كرههم للحياة واحتقارهم لها, بارتداء الأحزمة الناسفة, يفجرونها في الكنائس لعلهم بذلك يستطيعون تمزيق الوطن, وتقسيمه إلي طوائف متناحرة, وإظهار الدولة وكأنها عاجزة عن حماية الأقباط الذين كان لهم دور وطني مشرف في الاصطفاف خلف الوطن وقادته, فالإرهابيون لا يعرفون الوطنية, ويعترفون بالدولة القومية, وإنما يسعون لوهم الخلافة, وهم مجرد مرتزقة يتدثرون بالإسلام لتحقيق أغراضهم الشخصية, وفرض رؤيتهم التي عفا عليها الزمن, وسبقها الوقت فصارت تاريخا لا يمكن إحياؤه بعد أن صار تراثا ومجرد قصص تروي للاعتبار والعظة. لكن أغراضهم الخبيثة هذه لا تخفي علي رجال الوطن, ولا تغيب عن بال قادته, الذين يسعون لإبطال مفعول إرهابهم, بزيادة الوعي بين المصريين, وبمواساة الضحايا والوقوف بجانبهم وشد أزرهم, وفي هذا السياق جاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للكاتدرائية المرقسية بالعباسية, ولقاؤه قداسة البابا لتقديم واجب العزاء في شهداء الوطن الذين راحوا ضحايا للتفجيرين الخسيسين في الإسكندرية وطنطا يوم أحد السعف, وخلال اللقاء أكد الرئيس أن جميع الأجهزة الأمنية ستبذل أقصي جهودها لملاحقة مرتكبي تلك الأعمال الآثمة, وتقديم كل من شارك فيها للعدالة في أسرع وقت, حتي ينالوا جزاءهم الحق جراء أعمالهم القذرة وغدرهم بأخوة الوطن أثناء صلاتهم في كنيستهم, واحتفالهم بعيدهم. وأكد الرئيس أن أسر الضحايا محل الاهتمام والرعاية من الدولة, وأن الدولة عازمة علي التصدي للإرهاب والقضاء عليه, مشيرا إلي ثقته في وعي الشعب المصري بجميع طوائفه, وإدراكه لحقيقة ودوافع من يدعمون الإرهاب الغاشم لبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد, ومحاولة تقويض جهود البناء والتنمية واستعادة الأمن والاستقرار. من جانبه أعرب البابا تواضروس الثاني عن شكره للرئيسه حرصه علي زيارة الكاتدرائية, مؤكدا أن الإرهاب لن ينجح في شق صف المصريين ولا في النيل من وحدتهم واستقرارهم, وأن الوحدة والمحبة بين أبناء الوطن هي السبيل الوحيد الذي يكفل سلامة مصر والقضاء علي الإرهاب. ولم يفلح الإرهاب الأسود في منع المصريين من الاحتفال بعيد شم النسيم, وهو العيد المصري الأصيل, رغم فتاوي التحريم, ودعوات المقاطعة والتهديد, فخرج المصريون بالملايين إلي الشواطئ والحدائق العامة, واستقلوا المراكب علي صفحة نهر النيل العظيم, يحملون في سلالهم الأسماك المملحة والبصل الأخضر والملانة كما كان يفعل أجدادهم, وفي قلوبهم فرحة غامرة وسعادة كبيرة, ليؤكدوا للجميع أنهم شعب يعشق الفرحة والسرور, وأنهم قادرون علي تجاوز أحزانهم والسمو فوق الإحباطات والمشاعر السلبية. *** يسعي الديكتاتور أردوغان إلي توسيع صلاحياته, وتجميع كل خيوط اللعبة السياسية في يده, وأجري استفتاء علي تعديل نظام الحكم ليصبح رئاسيا بدلا من النظام المعمول به الآن وهو النظام البرلماني, وقد مر الاستفتاء لصالحه ولكن بهامش فوز ضئيل, ليؤكد أن طريقه إلي إعلان نفسه سلطانا عثمانيا جديدا مفروش بالكوابيس, طريق تصطف فيه المعارضة علي الجانبين, تراقب السلطان الجديد وتنغص عليه حياته وتمنعه من العودة بالبلاد إلي الوراء, واستهلت المعارضة فعالياتها بمظاهرات في إسطنبول وغيرها من المدن التركية, بما يؤكد أن الأمور لم تستقر بعد, وربما لن تستقر, للخليفة الجديد المتضخم بأحلام اليقظة, وهذا هو الفرق بين رئيس يسعي إلي تحديث بلده وبين من يعيش في أوهام الخلافة العثمانية المنقرضة, وتحيا مصر.