لقد سئمت الشعوب العربية جميعا وفي مصر بشكل خاص ثلاثين عاما من التدليل لإسرائيل, ظل السلام خلالها مع الدولة العبرية مقصورا علي الزمرة الرئاسية التي قضت جل جهدها لهدف وحيد هو الاستمرار والتوريث... علي أثر ذلك ظلت اسرائيل تملي رغباتها ولا تقيم وزنا لاتفاقيات وقعتها أو إقامة سلام وعلاقات طيبة مع الشعوب تبني علي العدل وتنفيذ القرارات الدولية إلي أن قامت الثورة وتغير الحال وظهر ربيع الحرية وذهب سلام إسرائيل مع رئيس الدولة المخلوع إلي غير رجعة. فعلي اسرائيل أن تعي الدرس جيدا وأن تبدأ فورا في إعادة حساباتها قبل فوات الأوان لتعيد الحقوق التي توقفت عن الوفاء بها منذ رحيل السادات لأنها لم تنفذ أيا من الاتفاقيات التي وقعت عليها منذ ثلاثة عقود اعتمادا علي رموز وأفراد تعبث معها في الخفاء وشعوب مقهورة كانت تراقب ضياع الحقوق وتنتظر الفرصة لتسمع صوتها الجماعي للدولة العبرية.. لن تستطيع اسرائيل أن تعتمد علي سلام القائد الأوحد المدعوم من الغرب بعد الآن وعليها أن تفي بالتزاماتها لشعوب عانت طويلا من الظلم والكيل بعدة مكاييل سواء من زمرتها الحاكمة أو الدول المؤيدة لإسرائيل التي تدعي الحرية والديمقراطية.. فبعد نجاح الثورة وعودة القرار إلي الشعوب لا الحكومات لن تصدر قرارات فردية بعد الآن ترضي طموح قادة تل أبيب ولن يجدي تجاهلها لإتفاقات مدريد وأوسلو وواي عربة ريفر وطابا والرباعية الدولية وغيرها التي كانت تعقد وتنفض لتخدير الشعوب أما ما ينفذ علي الأرض فكان شيئا آخر ينحصر في جملة واحدة هو رضا الدولة العبرية الذي يحقق مصلحتها فقط أما مصلحة الفلسطينيين أو العرب أو حتي ثمن الغاز المصري فكانت كلها أمورا ثانوية وهامشية لا شأن للشعوب فيها... اسرائيل التي فقدت حليفا استراتيجيا في مصر لابد لها أن تعي كلماتها وسلوكياتها من الآن وتتخلي عن مراوغات متقنة علي مدي30 عاما وتعطي الحق لأهله قبل أن يجرفها تيار الثورات العربية ولذلك لابد أن تقدم اسرائيل وحليفاتها التنازلات من الآن إرضاء للشعوب الثائرة بدلا من البحث في الشوارع الخلفية عن قائد أوحد جديد تبرم معه سلاما منفردا, مع زمرة حاكمة لا تزيد علي أصابع اليد الواحدة في كل بلد تخيلت أنها في حالة سلام معه أو تشجع ثورات مضادة محكوما عليها بالفشل, فهي مضطرة للتنازل لإرضاء الشعوب بشكل عاجل بدلا من أن تخسر كل الأوراق التي وقعت عليها بدءا من كامب ديفيد وغيرها... فإسرائيل مازالت تحلم بالحليف الاستراتيجي الأوحد الذي خسرته والذي كان يراعي مصالحها ويقبل بأنصاف الحلول رغم تبدل الأحوال.. فعلي سبيل المثال مازالت اسرائيل تتصور حسب تأكيدات مائير داجان رئيس جهاز المخابرات الاسرائيلية الموساد السابق أن ما حدث في مصر لا ينطبق عليه وصف ثورة بل نوع من تبادل للسلطة لكون معظم النخبة الحاكمة في مصر لا تزال في مواقعها وأن الشيء الوحيد الذي دفع الجماهير المصرية للخروج للشوارع هو التوريث لهذا لن يحدث تغيير ذو أهمية في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بشكل يضر بالمصالح الاقتصادية, مستبعدا أن يصل الإخوان المسلمون للسلطة في مصر لكنه رأي أن المشكلة من وجهة نظره تكمن في استمرار العداء الشعبي لإسرائيل. الاسرائيليون مازالوا يتصورون أن هناك امكانية أن تظل مواقف مصر الخارجية بعد نجاح الثورة كما كانت في السابق لا تتجاوز حدود الشجب والإدانة وهي سياسة يعلم الجميع بمن فيهم الاسرائيليون أنفسهم أنها تسببت في الإساءة لصورة مصر الخارجية وسمعتها علي مدار ثلاثة عقود متتالية... وكانت سببا مباشرا في ضعف تأثير مصر وإضمحلال دورها العربي والإقليمي والدولي إلي أدني مستوي وهو ما يعرفه جيدا صانعو سياسة مصر الخارجية في الوقت الحالي سواء في المجلس العسكري أو وزارة الخارجية. المؤكد أن التصورات الاسرائيلية عن مصر بعد الثورة مازالت خاطئة ومن الأفضل أن يتخلي قادتها عن الغرور أمثال ليبرمان الذي رفض وقف الاستيطان لمدة ثلاث ساعات ردا علي مطالبة الرئيس محمود عباس الذي انحاز هو الاخر إلي مطالب شعبه ورفض سياسة السلام مع القائد الأوحد من أسفل الطاولة وفي الغرف المغلقة.. فماذا سيفعل قادة الدولة العبرية مع الانتفاضة الثالثة القادمة لا محالة في الأراضي المحتلة وكيف سيتصرفون مع مليونية قد تتجه مباشرة لفك الحصار عن غزة؟ وكيف سيعالجون كراهية الشعوب العربية والتي تراكمت لعقود لأسباب شتي.. خاصة أن هذه الشعوب الكارهة لتصرفات إسرائيل أصبحت تحكم نفسها دون أدني تأثير.