في موكب متواضع, دخل السيد المسيح عليه السلام القدس, فخرج أهلها, صغيرهم وكبيرهم, يستقبلونه فرحين مستبشرين, يحملون في أيديهم سعف النخيل يلوحون به, كان يوم أحد, أحد السعف, ويحيي الأخوة الأقباط ذكري هذا اليوم كل عام, يبدأون به الأسبوع الأخير في صومهم الكبير الذي ينتهي بعيد القيامة المجيد, وهذا الأسبوع يسمي أسبوع الآلام. ويوم الأحد الماضي, كان فعلا بداية لآلام طالت المصريين جميعا, فقد تمكنت يد الإرهاب الغاشمة من الاعتداء علي كنيستين مصريتين, بأسلوب خسيس لا يحترم الحياة التي هي هبة من الله, أسلوب الانتحاريين المفخخين بالأحزمة الناسفة, وهو ما أدي إلي استشهاد نحو50 مواطنا مصريا, منهم مسيحيون يؤدون صلاتهم ويحتفلون بعيدهم, ومسلمون من رجال الشرطة يؤدون واجبهم تجاه وطنهم وإخوانهم من الأقباط ويقومون بتأمين كنائسهم ودور عبادتهم, بالإضافة إلي إصابة أكثر من100 مصري ما بين رجل وامرأة وطفل صغير. كان يوم الأحد يوما حزينا, وغطت سحابة حزنه مصر من شمالها إلي جنوبها, واشتعلت صدور المصريين غضبا, وامتلأت قلوبهم كرها, وعقولهم رفضا لهذه التيارات التكفيرية, التي تسعي, وفق أجندات أجنبية, وبتمويل من قوي إقليمية ودولية ترعي الإرهاب, إلي تفتيت وحدة الشعب المصري, وإثارة العداوات الطائفية بين عنصري الأمة, لإشعال حرب أهلية, من أجل تقسيم مصر إلي دويلات تسهل السيطرة عليها واغتصاب ثرواتها, ومن ثم إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط الكبير. وجاء اختيار هذا الوقت لإفساد فرحة المصريين بأعياد الربيع, وليغطي علي نجاح الزيارة التي قام بها الرئيس السيسي إلي أمريكا, وكانت ناجحة بكل المقاييس, بل واعتبرها خبراء السياسة الدولية بداية جديدة وانطلاقة قوية للعلاقات المصرية الأمريكية التي تأثرت بدعم إدارة أوباما وهيلاري كلينتون لجماعة الإخوان, ووقوفها ضد إرادة المصريين ورغبتهم في التغيير وإنهاء حكم مكتب الإرشاد لمصر. وكما كان الرد الشعبي علي هذه الحوادث الإرهابية عظيما يعكس طبيعة هذا الشعب المتسامح الرافض للعنف, جاء الرد الرسمي حاسما وحازما, فقد أعلنت القيادة السياسية حالة الاستنفار الأمني والفكري لمواجهة الإرهاب, واجتمع الرئيس السيسي مع مجلس الدفاع الوطني وأعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر بعد استيفاء الإجراءات الدستورية والقانونية, وجاءت كلمة الرئيس التي وجهها للأمة في هذه الظروف العصيبة تعكس وعي القيادة السياسية بضرورات المرحلة, وبما يحاك لمصر من مؤامرات من قوي خارجية وداخلية, فقد شدد الرئيس علي ضرورة محاسبة الدول التي دعمت وتدعم الإرهاب, وطالب المجتمع الدولي بالقيام بدوره في محاسبة هذه الدول ونبذها وفضح مخططاتها. كما أكدت كلمة الرئيس علي أهمية ودور الإعلام الوطني في مواجهة قوي التطرف, وفضح مخططاتهم وأهدافهم, وتوعية الشعب بخطرهم علي أمنه وسلامه المجتمعي, وعدم الانسياق وراء تتبع أخبارهم والتركيز عليها بما يؤدي إلي إشاعة الخوف منهم وبث اليأس بين صفوف المواطنين, بل يجب التركيز علي ما قامت به قوات إنفاذ القانون من دك حصونهم, واصطياد قادتهم, وحصارهم في الصحراء, وقطع خطوط إمدادهم بالأسلحة والأموال, فلا يمر يوم, وإلا وتتم عملية ناجحة يهلك فيها العشرات من الإرهابيين, وتدمر العديد من آلياتهم وعرباتهم, وهو ما أدي إلي القضاء علي قوتهم الضاربة, ولم يتبق منهم إلا فلول, ربما ينفذون بعض العمليات البائسة اليائسة قبل أن تختفي جماعاتهم إلي الأبد, وتحيا مصر.