شبابنا.. أولاد وبنات الذين أخذوا علي عاتقهم أن يقتطعوا جزءا من دخلهم كل عام لإعداد ما يوفقهم الله اليه من شنط أو كراتين رمضان وتوزيعها في القاهرة والصعيد والوجه البحري تواجههم هذا العام مشكلة رباعية الأبعاد. في الأعوام السابقة كان بعض من أعرف منهم يتحركون في النصف الثاني من شعبان بحيث تكون الشنط والكراتين جاهزة للتوزيع قبل حلول رمضان بيومين أو ثلاثة. هذا العام بدأ البحث عن الأسعار قبل مطلع رجب. تعويم الجنيه وما تبعه من ارتفاع في الأسعار يأخذ شكلا حلزونيا متصاعدا جعل الناس وهم منهم لا يعرفون كيف ستكون الأسعار غدا وليس بعد شهر من الآن. ذلك يعني أن هؤلاء الشباب يواجهون مشكلة رباعية الأبعاد. البعد الأول أنهم هم أنفسهم كعاملين محدودي الدخل متأثرون بارتفاع الأسعار فيما يتعلق بمتطلباتهم ومسئولياتهم كل في نطاق أسرته الصغيرة ومطلوب أن يقتطع هذا العام ضعف ما كان يقتطعه من دخله في الأعوام السابقة. البعد الثاني أنهم كانوا يلزمون أنفسهم كل عام بالسعي الي زيادة ما يقومون بتوزيعه سواء من حيث الكميات أو من حيث العدد وهم يخشون هذا العام ألا يكون الأمر كذلك. البعد الثالث أن هناك أناسا تعودوا علي تلقي هذا العون منهم فيما سبق من أعوام وهم ينتظرون هذا العام وسوف يكون مؤلما للطرفين ألا تصل الشنط والكراتين الي كل من تعودوا تلقيها. البعد الرابع هو أن ارتفاع الأسعار ومحدودية الدخل قد أضاف الي أعداد المحتاجين أعدادا جديدة أكبر وليس واضحا حتي الآن كيف يمكن أن يصل العون اليهم. ما يدعو الي الإعجاب أن الشباب رغم ارتفاع الأسعار ومحدودية دخولهم لديهم ثقة أن الله سوف يعينهم علي مواصلة مهمتهم. في مثل هذه الأيام من العام الماضي كان سعر شنطة تحتوي علي ما قد يساعد أسرة محتاجة علي مواجهة بعض احتياجاتها لمدة أسبوع نحو60 جنيها. سعر نفس الشنطة بذات المحتويات والأوزان الآن وقبل حلول رمضان يصل الي120 جنيها وقد يزيد مع تزايد الأسعار. محتويات هذه الشنطة هي2 كيلو سكر و2 كيلو أرز وثلاثة أكياس مكرونة وزجاجة زيت وكيلو فول وكيلو بلح وباكو شاي100 جرام ونصف كيلو عدس ونصف كيلو لوبيا أو فاصوليا. هذه الشنطة التي لا تعدو كونها نواية تسند الزير بالنسبة لأسرة من خمسة أفراد علي سبيل المثال أقل من الوفاء باحتياجات أسبوع إضافة الي أنها بحاجة الي مكملات أخري أساسية كالخبز والطماطم والبصل وغيرها بلاش سيرة اللحمة والفراخ الله يخليك. لكنها رغم محدوديتها من حيث الكم ومن حيث الأصناف كفيلة أن تسد ركنا قد يصعب سده في حال عدم وجودها. رقعة من هم تحت خط الفقر تزداد وتتسع وامكانيات الناس وقدراتهم تتقلص في تناسب عكسي ولعل محتويات الشنطة وهي مجرد نموذج فعلي تكشف الي أي مدي احتياجات الفقراء بسيطة كما تكشف بذات القدر كم هي سعة الفجوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون كما تكشف أيضا أن الفقراء هم أكثر من يدفع الثمن في مجتمع تغيب عنه العدالة الاجتماعية. في مقدمة كتابه المعذبون في الأرض قال طه حسين: إلي الذين يحرقهم الشوق إلي العدل.. وإلي الذين يؤرقهم الخوف من العدل.. إلي أولئك وهؤلاء جميعا.. أسوق هذا الحديث. إلي الذين يجدون ما لا ينفقون.. وإلي الذين لا يجدون ما ينفقون يساق هذا الحديث. هل من يستمع إلي طه حسين؟