سؤال يتردد كثيرا, هل الحب مقصور علي فئة عمرية دون أخري؟ وكأن الحب حلال للشباب والمراهقين, ومحرم علي كبار السن,أو أن الحب مقرون دائما بالربيع وتفتح الحياة,ويستحيل أن يأتي في خريف العمر, وكأنما من كبرت سنه, لم يعد من حقه أن ينبض قلبه,وتتحرك مشاعره, وأنه كما الشتاء بارد تلف عواطفه الثلوج. الحب كما أعرفه طفل بوهيمي لا يعرف أبدا قانونا أو تحده القيود,قدر مكتوب علي الكبير والصغير,يشعل نار العاطفة في قلب المراهق الولهان,وهو أيضا حضن دافيء يحوط قلب المسن بالحنان,يعوضه عن مشقة الأيام ولوعة السنين,هو للشباب جواد جامح, يجري وينطلق في برية فسيحة,لا تحده جبال أو تمنعه سهول, وهو لمن ابيض شعره يد حانية, ومرفأ أمان تستريح في أحضانه أوجاع السنين. الحب مشاعر, وعواطف جياشة, إذا خلا منها قلب أصبح كالحجارة, أو هو أشد قسوة,وكم من قلب شاب لم يعرف للحب معني, ولم يحفظ للغرام عهد,من يعرف الحب بمعناه الجميل والأصيل, ما فكر يوما عن طريق العاطفة أن يميل, أو أن يهيل علي ذكري حبه الأول أكوام التراب, أو يسدل عليه ستار السنين. نعم قد يكون حبنا الأول وهما أو رسما غير مكتمل, ولكنه كان بواكير عاطفتنا, مولود مشاعرنا الأول, ذكريات العمر الجميل, براءة ايامنا الأولي,أول حروف حبنا,التي سطرها كيوبيد كلمة كلمة علي جدران القلوب, بمداد من عطر. قد يكون هياما بلا وصال, وليلا طال نناجي فيه وجه القمر,وقد لا يعرف القمر كم كنا نحبه ونعشقه, وقد تتساوي كل الوجوه الناظرة إليه, وهو لا يعرفها,ولكننا كنا نجد فيه السلوي,سرح منا الخيال, وكبرت الأماني, قصورا كم بنيناها علي رمال شواطئ صبانا,وجرفتها شموس النهار وأمواج الأيام, ولكنها تبقي خطوطا لا تزال محفورة في حنايا القلب, مكتوبة بمداد الطهر وبكارة الحياة. من منا لم يسهر, ولم يبك, ولم ينتظر,إطلالة وجه القمر,من منا لم تسكن بدنه ارتعاشه اللمسة الأولي من يد الحبيب, آه من طعم شفاهها الممزوج بشهد الحياة ورائحة الفل والياسمين. حبنا الأول كما الميلاد صرخة طفل الحب تعلن عن ميلاد قلب عن حياة نبض, تتنفس تملأ عروق الدم عاطفة جياشة تسري أنفاسا ساخنة ملتهبة تهمس في شوق تعلن وجودها,تقدم شهادة رجولة وفتوة,وجمال فتان,فنان يبهر الأكوان. قد يكون حبنا الأول حكاية بلا نهاية, قصة بطل واحد,هام وصال وجال في بحور الأوهام,عانق طيف محبوبة, معشوقة من حروف لم تكتب, وصورة رسمتها حروف الكلام,عروس من خيال, ولكن يكفي أنها مشاعر حلوة عشناها,برهة من الزمان, وداعبت منا الخيال. حكاية حب صامت, يتحدث بلغة العيون, أطبقنا عليه الجفون خوفا,وشوقا ولهفا,كانت نظرة من عين الحبيب تكفي,تضيء ليال شوق طويلة, تعبر بالأحلام جسور المحال,وتكتب بداية عمر الحب في أيام العمر الطوال. علي ناصية العمر,ومقهي السنين,قلب شيخ يلفه الأنين,يمد البصر عبر بوابات الحنين, يفتش عن ذكريات حب عبرت,وفي يوم ما صغرت أو وهنت, نائمة في خميلة العمر الجميلة,تنتظر أن تهب ريح الهوي, تبعث فيها الروح,وتعيد بلابل الدوح, تغني,أغنية غرام وذكري وصال,تطرب أيام العمر الباقية,ترقص علي أنغامها أحزان العروق الفانية الغارقة في الجسد الواهن,توقد ليال القلب, وتضيء بشموع الحب دروب العمر الغاربة, تكتب نهاية قصة حب كانت بلا نهاية, تتواعد فيها القلوب علي لقاء في جنة من الحب بنيت قصورها, وعلي الحب رفعت عروشها. ويبقي الحب عطر العمر, وخلايا السنين, أكسجين الحياة,أكسير بها الأعمار تسير, عصير عذب يتذوقه الشاب والشيخ الكبير.