بعد الشيخ سلامة حجازي, والشيخ أبوالعلا محمد, والشيخ سيد درويش جاء الشيخ زكريا أحمد ليكون آخر مشايخ الموسيقي المصرية, ممن درسوا بالأزهر الشريف. والشيخ زكريا أحمد هو سيد البهجة في الأغنية المصرية بلا منازع, جاء بصحبة الشيخ سيد درويش عام1919, وبقي بها رغم عودة رفيقه إلي البحر يأسا, قبل أن يستقر بالقاهرة نهائيا. لحن زكريا أحمد جمال الدنيا يحلي لأم كلثوم, وياحلاوة الدنيا لفتحية أحمد, وياصلاة الزين ياصلاة الزين الشهيرة التي غنتها ام كلثوم في البداية ثم سجلها هو بنفسه للتليفزيون عام1960 في افتتاحه. بالإضافة إلي أغنية حبيبي يسعد أوقاته الشهيرة باسم الليلة عيد, وجميعها من الأغنيات التي أعطت الفرحة معني جديدا, حتي إن ياصلاة الزين كانت احدي اغنيتين هما الأكثر انتشارا في أفراح التسعينيات الشعبية بعد تلحينها بعشرات السنوات. وكون زكريا أحمد مع بيرم التونسي ثنائيا من اوائل ثنائيات الأغنية المصرية, غير أنه لم يكن مبنيا علي الفن فقط, فكلاهما كان سر صديقة, وقد تلازما وتزاملا حتي في الموت فقد رحل زكريا أحمد في أربعين بيرم التونسي عام1961. وعبر رحلة طويلة خاضاها معا, قدم كل منهما أهم أغنيات الآخر, وقائمة اعمالهما مع أم كلثوم ليست بالهينة, غير أنه ينبغي التوقف عند النقد الاجتماعي الذي قدماه في عدد من الأغنيات المتجاوزة كلاما ولحنا, وأهمها أغنية: هاتجن ياريت يا إخوانا ما روحتش لندن ولاباريز التي يقارن فيها التونسي بين الحضارة في الغرب, وتأخر الشرق, خصوصا مصر من خلال عدة مشاهد منتشرة في الشارع المصري, وبالطبع فإن تلحين هذا الكلام يشبه الإعجاز, قليلون هم من يستطيعون فعل ذلك, الطويل مثلا فعلها في اغنيات جاهين, ولذلك فإنه من النادر ان تجد لحنا لجاهين ليس للطويل, وهذه الصيغة هي التي تعاون فيها بيرم مع زكريا, فكانت الأغنية التي صمدت عشرات السنوات. وهناك أغنية أخري جمعتهمها في هذا السياق وهي أغنية يا أهل المغني دماغنا وجعنا التي ينتقدان فيها الغناء في عصرهما( وهما من نجومه) غير أن المقصود بالنقد كان محمد عبدالوهاب الذي هبط بمستوي الكلمات في زمنهما, من جهة نظرهما ووجهة نظرنا كذلك, فأصبح علي حد تعبير بيرم حافظين عشرة اتناشر كلمة ونازلين فيهم رص. وكان آخر تعاون بينهما هو أغنية أهل الهوي التي عاد بها زكريا لأم كلثوم بعد خلاف دام13 عاما علي خلفية نزاع قانوني ذي طابع مالي( كان نجوم هذا الزمن ايضا يهتمون بالنقود, ولم يكونوا رهبانا او متصوفين) ولكنهما رحلا معا قبل ان يريا أثر الأغنية. ولا يمكن ان نغادر حضرة زكريا أحمد دون أن نذكر انه أول مؤد في تاريخ الغناء المصري فالراحل لم يكن مطربا, لكن اداءه لصلاة الزين تفوق في انتشاره علي أم كلثوم رغم الفارق الشاسع بينهما, وهو الأداء الذي يجعلك كلما سمعت الشيخ زكريا تقول ياحلاوة الدنيا ياحلاوة.