دائما ما ينحاز أعضاء النقابات الفنية الثلاث الي اختيار نقباء من بينهم, ربما لا يتمتعون بالنجومية المتوهجة علي المستوي العام, ولكن يتصفون بالشعبية, ويلتحمون بأبناء مهنتهم وأعضاء الجمعية العمومية الذين بيدهم الحسم, وتقرير مصير المرشحين لمنصب النقيب ومقاعد العضوية, والعمل النقابي له القادر علي تحقيق معادلته الصعبة, بأن يكون لكل عضو الصديق والرفيق وكاتم الأسرار وحلال المشاكل المهنية وربما الأسرية الدقيقة, والطبيب والحانوتي أيضا! وأفرزت الدورات السابقة نقباء شعبيين, من بين جموع أبناء المهن الفنية, ونتفق أو نختلف فقد كانت شعبية الملحنين حلمي أمين وحسن أبوالسعود جارفة, واختار السينمائيون مسعد فودة نقيبا لدورات متتالية, مع احترامي وتقديري لشخصه فهو ليس بالمخرج الفلتة ولكنه النقابي المحبوب, وأبرز الأمثلة وأروعها الدكتور أشرف زكي, أحد أهم النقباء في تاريخ النقابات الفنية الثلاث, أتابعه منذ سنوات بعيدة وكنت أسأل نفسي كيف وأين ومتي يجد وقتا لكل هذا, طاقة وشعلة نشاط, وتفان في خدمة الصغير قبل الكبير, ووسط هذا العمل التطوعي الذي بدأه قبل ربع قرن كعضو صغير السن, ثم وكيل للنقابة فنقيب اجبر غيره ممن كانوا يسعون للمنصب علي الابتعاد عن الساحة لمجرد طرح اسمه بين من طالبوه بخوض الانتخابات, يجتهد الرجل ويحصل علي الدكتوراه, ويشارك في الأعمال السينمائية والدرامية, ويخرج عددا من المسرحيات, ويشغل مناصب مساعد وزير الإعلام, ثم رئيسا لجهاز السينما, ثم عميدا للمعهد العالي للفنون المسرحية, كل هذا حتي لا يقال له كما يقال لغيره, أن مهنته نقيب.. عاطل!. وتضم نقابة المهن التمثيلية جميع المشتغلين بفنون التمثيل للسينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة والإخراج المسرحي وإدارة المسرح والمكياج والتلقين وتصميم المناظر والملابس المسرحية والفنون الشعبية والباليه ولاعبي العرائس, وتضم نقابة المهن السينمائية جميع المشتغلين بفنون الإخراج والسيناريو والتصوير وإدارة الإنتاج والمونتاج والمناظر والمكياج والصوت والمعامل, بينما تضم نقابة المهن الموسيقية جميع المشتغلين بفنون الغناء والعزف والتأليف الموسيقي والتلحين والتوزيع الموسيقي وقيادة الفرق الموسيقية والتاريخ الموسيقي, والنقابات الفنية الثلاث لها اتحاد عام, وصدر القانونرقم35 لانشاء هذه النقابات واتحادهم سنة1978, وكان الكاتب سعد الدين وهبة أول رئيس للاتحاد. في بداية الأمر كان ينتخب رئيس الاتحاد من بين نقباء وأعضاء المجالس الثلاثة, وعددهم39 عضوا, ثم أصبح من يترشح للمنصب من خارج المجالس الثلاثة, وهو ما دفع الراحل السيد راضي لتقديم استقالته من مجلس نقابة المهن التمثيلية حتي يحق له الترشح لمنصب رئيس الاتحاد, وفي فوزه بالمنصب علي حساب سعد وهبة تأكيد علي أن الشعبية تتفوق علي النجومية, وأن الامور الانتخابية لها حسابات وموازين أخري, ولا تخلو من التربيطات والمواءمات, ومدي القبول وتقديم الخدمات لمن يمنحونك أصواتهم. سعد وهبة قيمة وقامة وصولجان وأضواء واسم أقوي من السيد راضي في ذاك الوقت, يعتمد الأول علي الوضع والمكانة ولا يبرح موقعه, ويحسن الأخير التربيط والتظبيط, والوسط ينتظر ما تسفر عنه نتيجة الانتخابات التي يري نسبة كبيرة أنها محسومة لوهبة,.. يدلي38 عضوا بأصواتهم ويتبقي صوت واحد لم يحضر بعد, يتصلون به في المنزل غير موجود!, في النقابة غير موجود!, يطالب الموجودون بفرز الأصوات, ويطلب السيد راضي منح الغائب بعض الوقت, يتململ الحضور ويتكهرب الجو وينادي سعد وهبة بفتح صندوق الاقتراع, وهنا يدخل العضو المتبقي من باب الاتحاد, ينظر إليه سعد الدين وهبة, ويهم من مكانه متجها نحو السيد راضي ليقول لهمبروك عليك ياسيد!, في اللحظة التي دخل فيها العضو ليدلي بصوته,.. قرأها وهبة وكان يعلم أن هذا الصوت لراضي. هذا العضو هو الملحن حلمي أمين, وكان يختبئ في مكان ما بالعمارة التي بها مقر الاتحاد, ودبرت الحيلة بمعرفة السيد راضي فدانت له-بهذا الصوت- رئاسة الاتحاد وحتي رحيله في عام.2009 وللحديث بقية.