تبدو منطقة الشرق الأوسط وقد تحولت الي منطقة رمال متحركة لا تكاد تطؤها القدم حتي تغوص فيها وتصبح كل محاولة لجذب القدم منها مجلبة لمزيد من الغوص. ما يجري في العلن وما يدور خلف الأبواب المغلقة يوحي جميعا بأن هناك توجها لفرض حلول علي المنطقة العربية شبيهة بما تم فرضه عليها منذ100 عام في إطار اتفاق سايكس بيكو الذي رسم لها شكلها الحالي والمطلوب الآن إدخال تغييرات عليه تتواءم مع تغير في موازين القوي وتخدم مصالح قوي إقليمية ودولية. يسهل من مهمة الأطراف الدولية والإقليمية غير العربية اختفاء مثلث مثل لعقود حائط صد للمطامع غير العربية في المنطقة كانت أطرافه مصر وسوريا والسعودية وهو المثلث الذي أدي غياب مصر عنه الي تهاويه. كانت مصر في إطار هذا المثلث بمثابة رأس الرمح العربي في مواجهة تركياوإيران المتحالفتين مع الغرب من ناحية وفي وجه إسرائيل من ناحية أخري. اللاعبون الإقليميون علي الساحة الآن هم إسرائيل وإيرانوتركيا وهم يتنافسون علي مناطق نفوذ لهم في المنطقة العربية بعضهم بدعم من قوي دولية تري أن المنطقة بوضعها الراهن شبيهة بما كانت عليه تركيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث كان يطلق عليها اسم الرجل المريض. في القلب من عملية إعادة رسم خريطة للمنطقة فرض تسوية للقضية الفلسطينية علي أساس من توافق الرؤي بين الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب وبين الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نيتانياهو والتي لن تخرج في أحسن أحوالها عن مجموعة من الكانتونات الخاضعة لإسرائيل. يساعد من سرعة وتيرة التحول الي الرمال المتحركة تخلي ترامب عن مفهوم حل الدولتين وإعلانه خلال محادثاته مع نيتنياهو قبول واشنطن بأي حل يتوصل إليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي. سبق اللقاء وتزامن معه وأعقبه المزيد من عمليات الاستيطان في أراضي الضفة الغربية في أعقاب قرار مجلس الأمن في ديسمبر الماضي بإدانة عمليات بناء المستوطنات. تواكب مع ذلك تصريحات وتسريبات إسرائيلية عن خطة لتوطين الفلسطينيين في سيناء وعن لقاء سري جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ونيتانياهو وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي في العقبة فيفبراير من العام الماضي. قد لا يكون الحديث عن توطين الفلسطينيين في سيناء صحيحا خصوصا وأنه يطفو الي السطح ثم يختفي من سنين عديدة لكن من يتابع السياسة الإسرائيلية يدرك أن دأبها كان دائما إلقاء بذرة في الأرض عساها تكون صالحة للإنبات فإن لم تكن فإن تكرار الحديث من شأنه أن يجعل الآذان مهيأة في مرحلة ما لتقبل الفكرة أو بديلها. إضافة الي فلسطين يبدو أن هناك تقبلا للنفوذ الإيراني المترسخ في العراقوسوريا والذي وجد له أيضا موطئ قدم في اليمن. وحتي الآن فإن إسرائيل لا تشعر أنها مهددة من وجود إيران والميليشيات الموالية لطهران وحزب الله في سوريا بل يبدو أن هناك تنسيقا بشكل ما للحيلولة دون ما يؤدي إلي اشتباكات بين الطرفين. هناك قبول أيضا بنفوذ ووجود تركي داخل سوريا والي حد ما في العراق. فكرة التقسيم ليست بعيدة عما يجري في ليبيا وقد تكون في النهاية هي المخرج لتضارب المصالح والمواقف بين واشنطن وموسكو وأيضا بين إيطاليا وبعض شريكاتها في الاتحاد الأوروبي. الدول العربية في حالة التفسخ والانقسام والعداوات أضعف من أن تمثل رقما صحيحا قادرا علي الوقوف في وجه مخططات الغير والصمود للتحديات وتبدو مهيأة للقبول ب سايكس بيكو جديدة.