الأجدي من البكاء علي اللبن المسكوب هو البحث عن السبل التي تحول دون تكرار ذلك سواء بعدم السير في طرق زلقة أو غير ممهدة تؤدي الي التعثر وانسكابه أو بحسن اختيار الوعاء وإحكامه. ولا جدوي فيما نحن فيه بعد حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان توقيع الحكومة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية وما تضمنته من نقل جزيرتي تيران وصنافير الي السعودية من تبادل للوم أو تقاذف للاتهامات. الموقف عصيب ولا أحد يستطيع الجزم بالكيفية التي سوف تسير بها الأمور أساسا في الداخل ومع السعودية بالتبعية لأن الليالي حبلي يلدن كل عجيب كما قال أحد الشعراء. والكل مطالب بالتفكير في حلول للخروج من المأزق لأن أي حل سوف ينعكس علي الجميع سلبا أو إيجابا بغض النظر عن موقفه المبدئي مما أقدمت عليه الحكومة بدءا من العاشر من ابريل الماضي عند إعلان توقيعها الاتفاقية. افتقار الحكومة إلي الحنكة السياسية خلق وضعا غير مسبوق أدي الي انقسام في المجتمع حول ملكية أو عدم ملكية جزء من أرض الوطن بدلا من توحيد الصفوف إزاء قضية وطنية بالدرجة الأولي. هذا الافتقار الي الحنكة عواقبه علي الداخل المصري هي ما يتعين بذل كل الجهد المخلص من أجل الحد من آثارها وهو ما يتوجب علي الحكومة أن تدرك الآن بعد أن لم تتنبه سابقا الي أن هناك رأيا عاما لا ينبغي الاستهانة به أو القفز فوقه. خطورة ما أقدمت عليه الحكومة دون تبصر بالعواقب هو أنها فرضت علي مصر خوض معركتين بالتوازي.. معركة الداخل قد تكون أشد خطرا وأكثر تدميرا إن لم تحتل الحكمة في التعامل مرتبة الصدارة.أمام الحكومة سبيلان.. أن تعلن احترامها للقضاء وأحكامه أو أن تلجأ الي ملاعيب شيحا وأي من السبيلين لن يعني الحل الفوري للورطة التي تسببت فيها الحكومة. لكن السبيل الأول سيكون رسالة ايجابية للرأي العام المنقسم بشكل حاد وفرصة لالتقاط الأنفاس والبحث عن مخرج دبلوماسي يجمد الأزمة لبعض الوقت, وجعب الدبلوماسية مليئة بحلول لا غالب ولا مغلوب التي تؤجل الانفجار حتي تخمد مراجل الغضب. السبيل الثاني وهو الآلاعيب القانونية وضرب مؤسسات الدولة القضائية والتشريعية بعضها ببعض من منطلق عناد أوصل حسني مبارك الي حيث هو أو المكابرة بمنطق أن التراجع سوف يفسر علي أنه ضعف وسوف يغري المعارضين بالتصعيد أو التمسك بكرامة لم يكن المعارضون هم الذين مسوها ابتداء. ومن شأن هذا السبيل أن يدخل الحكومة في معركة مع شعبها, كلا الطرفين في غني عنها وخسائرهافوق رؤوس الجميع. المطلب الأول وأول سبل الخروج من المأزق هو التئام هذا الجرح النازف بين الشعب والحكومة كي نستطيع استبصار طرق الحل. إن فعلت الحكومة ذلك فسوف يتعين أن تكون الخطوة التالية مع السعودية من خلال حوار يضع مصالح البلدين الاستراتيجية وما بينهما من وشائج في مرتبة الصدارة خصوصا وأن للسعودية تجارب كثيرة وعديدة في نزاعات حدودية مع كل جاراتها وتم التوافق بينها وبين الجارات علي حلول وإن لم تكن كلها مرضية للجميع إلا أنها أسهمت في تهدئة الأمور. وحكومتنا بغض النظر عن اي حديث عن ضغوط وتوقيتات سعودية هي التي فرضت علينا أن نخوض معركة فيما بيننا ولم تفرضها علينا السعودية. فحكومتنا هي التي قبلت ورضخت إن كان ضغط قد مورس وكان في إمكانها ومن واجبها أن ترفض. اللوم والمسئولية تقع علينا جميعا ولن يجدي البليد التعلل بمسح التختة.