وسط مشاهد الدموع والدماء, أمام موقع انفجار قنبلة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.. سقطت عجوز مغشيا عليها, لوقوف الحواجز الأمنية حائلا دون وصولها إلي مستشفي الدمرداش, من أجل التبرع بدمها, الهارب, رغما عنها, لابنة ابنتها, التي ترقد الآن بين الحياة والموت في المستشفي, بعد أن أصيب جسدها بشظايا القنبلة الإجرامية, التي انفجرت داخل مصلي السيدات بالكاتدرائية.. في الوقت نفسه, كانت سيدة تلطم خدها, وتصرخ: أعدموهم.. أعدموهم.. فيما يتساءل آخر مستنكرا: نفسي أعرف مين اللي سمح للجاني بدخول الكنيسة؟.. وفين البوابات المعدنية الكاشفة للمفرقعات والمتفجرات؟.. فتيات وسيدات يغادرن الكنيسة مذعورات: يا جماعة أرجوكم.. اتبرعو بدمكم.. الوضع صعب. ثم بكي الجميع وبكيت أنا معهم, لدرجة أنني لم أستطع الرد علي أي مكالمة تليفونية, يريد أصحابها الاطمئنان علي شخصي; بحكم إقامتي بجوار مسرح الجريمة, وذلك طبعا بسبب هول الموقف, وفظاعة العملية الإجرامية الوحشية.... في غضون ذلك, كانت إلي جواري زوجة في العقد الرابع تسأل صغيرها بإلحاح... تعالي نشوف أخوك بيتر راح فين يا جورج. كنت نائما في فراشي بعد يوم من العمل الشاق, والمتاعب الروتينية المعتادة, عندما انتبهت وأنا في مسكني, علي صوت انفجار مدو, صادر من شارع رمسيس, حيث تقع الكاتدرائية المرقسية, الكنيسة الأم, علي مسافة أمتار مني.. وعندما نظرت من الشرفة, شاهدت سحابة من الدخان, ثم ارتفع صوت سارينات الإسعاف ومركبات الشرطة, بما كان ينذر بوقوع حادث رهيب, وعمل إجرامي خسيس.. وعلي الفور ارتديت ملابسي, وهرعت إلي هناك حيث كانت مشاهد الدماء أسوأ مما رأيته طوال عملي في تغطية الحوادث والجري علي مدي أكثر من عشرين عاما.. كانت أشلاء الجثث تسبح في أنهار من الدماء خلف باب الكنيسة الصغيرة مصلي السيدات, فيما زرعت فظاعة الجريمة نوعا من الذهول الممتزج بالرعب والغضب في صدور جميع الحاضرين, بمن فيهم حتي رجال الأمن, الذين انتشروا في كل مكان بسرعة البرق, ليمارسوا عملهم الطبيعي في وضع كردونات أمنية, مع تهدئة الجميع, والتعامل مع ردود أفعالهم الغاضبة, بحكمة وعقلانية. وفيما تواصل سيارات الإسعاف نقل بعض المصابين إلي مستشفي الدمرداش ومستشفي دار الشفاء القريبين من الكنيسة, يحضر خبراء الأدلة الجنائية, وفي الوقت ذاته, يتوالي حضور القيادات الأمنية بوزارة الداخلية, ويزدحم المكان بعدسات مصوري الصحف والفضائيات ووكالات الأنباء العالمية. حسبنا الله ونعم الوكيل... أعدموا الكلاب.. يا بختهم دول شهداء وشفعاء لنا عند الله... كانت هذه الكلمات تتردد علي ألسنة جميع الأهالي مسلمين ومسيحيين, ممن هرعوا إلي مسرح الجريمة أمام الكاتدرائية, في لوحة أكثر من رائعة تجسد بحق رغم فظاعة الجريمة قوة ومتانة الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة.. تسابق الجميع إلي التبرع بدمائهم, كما ساهم بعضهم في تنظيم حركة المرور إلي جانب رجال الشرطة. الحزن كان سيد الموقف; فهذه هي الست أم محمد بائعة الخضار تبكي بحرقة وتقول: حسبي الله ونعم الوكيل.. الأطفال والبنات دول ذنبهم إيه علشان يموتوا بالطريقة الوحشية دي.. بينما تلطم السيدة ماري وجهها وتقول: إسرائيل ولا أي احتلال ممكن يفعل بنا مثل ما فعل هؤلاء الكفار, بينما يطالب الحاج سيد وهو موظف بالمعاش بإعدام جميع المجرمين السياسيين ممن يحركون الأحداث علي حد قوله من خلف أسوار السجون. سألت السيدة هالة عازر عن ملاحظاتها وانطباعاتها عن الحادث فقالت: كان الشهداء يصلون الصلاة اليومية في الكنيسة, وللأسف نجح الجاني في دخول الكنيسة, وتفجير القنبلة دون أن ينتبه إليه أحد.. يرضي مين.. إحنا مصريين.. بلادنا مش هتهون علينا مهما حدث, حتي لو قطعوا مننا حتت.. اليهود معملوش في مصر كده... البوليس كان واقف.. نفسي أعرف الجريمة دي حصلت إزاي عايزة أفهم إزاي دخلوا وفيه بوابة إلكترونية حرام؟ وأضافت: إحنا هنسكت مش هنتكلم.. وربنا عليه خلاص الحقوق, واللي مش هيقدر عليه البشر هيقدر عليه ربنا.. ربنا مش هيسكت.. ربنا هو اللي هيخلص.. دول شياطين في شكل بني آدميين.. إحنا هنسكت وربنا هيجيبلنا حقنا.. بحق دم كل طفل اتقتل, وكل بيت اترمل, وكل أطفال اتيتمت.. ربنا مش هيسكت.. واللي ميقدرش عليه البشر, يقدر عليه ربنا.. مش أول مرة ولا آخر مرة.. وهيحصل تاني وتالت.. طالما دول ناس مش ممكن يكونوا مصريين أو مسلمين.. دول شياطين, والشيطان هو اللي بيعمل كده, وبيحلل لنفسه كل شيء. ومن وراء دموعها قالت مونيكا نجيب وهي فتاة في العشرين من عمرها: جريت علي الكنيسة بعد الجريمة مباشرة, قبل وقت قصير من وصول الشرطة للمكان.. وكان المنظر أكثر من رهيب داخل قاعة الصلاة بالكنيسة البطرسية الملاصقة لمدخل الكاتدرائية.. أبونا كان غرقان في الدم.. والأشلاء كانت مبعثرة في كل مكان.. كنت أبحث عن أمي اللي كانت رايحة تصلي.. لكن بعد اللي شفته خرجت بسرعة, لأن أعصابي لم تحتمل المنظر الوحشي, وكدت أفقد وعيي تماما من فظاعة الجريمة.. حسبنا الله.. هو اللي هياخدلنا حقنا.. وعن أعداد الشهداء قالت وهي تبكي: عدد كبير أوي.. لأ مش عارفة.. دم في دم.. وأجزاء من جثث.. يا ربي ليه.. ثم راحت تصرخ: ماما.. يا ماما.. يا ماما. المشهد كان فوق الوصف بحسب شهادة أغلب الحاضرين ممن تواجدوا لحظة وقوع التفجير الإجرامي.. تحطم لنوافذ الكنيسة.. في الأرض دماء, وفي الأجناب أشلاء, حتي الأعمدة الخشبية تلونت باللون الأحمر لتشهد علي عدوان البشر, وإجرام شياطين الإنس. م. بطرس ناجي, كان في حالة شبه انهيار, من وراء دموعه قال لي: قلب القبطي وقلوب المصريين عموما مولعة نار.. ليه الإجرام.. وليه سفك دماء الأبرياء.. لازم يكون فيه حلول للإهمال الأمني وللتطرف الإرهابي.. ليه منحاكمش المجرمين في السجون ونعدمهم.. بينما أكدت لي الفتاة القبطية إيرين موسي: صدقني حضرتك أنا بروح الكنيسة وبصلي وللأسف مفيش أي حد بيفتشنا.. يعني الجاني دخل بكل سهولة ونفذ جريمته, لأنه عارف إن الدار أمان, وإن التفتيش الأمني في خبر كان. كان مجدي عبد الغفار, وزير الداخلية, قد تفقد ظهر أمس مبني الكنيسة البطرسية بالعباسية الملاصق للكاتدرائية المرقسية, حيث أعرب عن خالص تعازيه لأسر شهداء هذا الاعتداء الغاشم وتمني الشفاء العاجل للمصابين. وشهدت الكنيسة البطرسية بالعباسية في نحو الساعة العاشرة من صباح أمس, انفجارا ضخما أثناء إقامة قداس الأحد, نتيجة زرع قنبلة داخلها, تم تفجيرها عن بعد, ما نتج عنه استشهاد25 شخصا وإصابة49 آخرين, حسب تقديرات أولية مرشحة للزيادة.