من يقرأ كتابات السيد حافظ الأخيرة وتحديدا هذه الرواية يشعر بأن قضية هذا المبدع هي تعامله مع الآخر, ويبدو أنها صيحة في واد, فالكلمة الصادقة ليست فعلا اعتباطيا بل مؤسسة قائمة علي المسئولية والإطار الفكري والنظام; فالسيد حافظ ناقم علي كل تصرف نابع من انحراف الفطرة الإنسانية, وكل فكر يتبناه هذا الإنسان, وكل قول يذكره هذا الإنسان, وكل كلمة يكتبها هذا الإنسان!! وبالتالي فهذا الإنسان الذي يسعي إلي تفعيل الجانب السوداوي في مساحاته, مرفوض من المبدع, وبناء عليه فالسيد حافظ يحاول بنظرة المتأمل العميقة, أن يفسر ويبرر, لإيجاد أفق رحب تنزاح فيه مخاوف هذا الإنسان; مستعينا في هذا العبء الفكري, بكل ما لديه من ذاكرة وخبرة حياتية, محاولا الحكم علي عصره الحالي بعينه الفاحصة وحكمته الكبيرة.. ولكن لماذا؟؟ لماذا وصل السيد حافظ إلي هذا الحال؟ لماذا أصبح زاهدا, يحكم علي تاريخ العالم والعرب, وتحديدا علي مصر!!.. هذا ما سنكتشفه.. فهيا بنا!. بدأ الكاتب روايته بقصة ولدي سيدنا آدم- قابيل وهابيل- ليصل إلي نتيجة, ذكرها قائلا: أنت أول مجرم يا قابيل في البشر, لم ولن يسامحك الرب.. وقدرك البشري أن يصير اسمك عبر الأجيال كلها, يسمون قابيل ولا يسمون هابيل; لأن البشر يحبون الشر. وهكذا استنتج المبدع أن حب البشر للشر صار أكبر بكثير من حبهم للخير, ومن خلال هذه النتيجة, ينطلق في كشف المسكوت عنه في عوالمنا, بقوله إن العرب قوم لا يقرأون; فنصيب العربي من القراءة ست دقائق فقط في السنة, بينما نصيب الأمريكي200 ساعة!! أما الإنتاج الإسرائيلي من الأدب والفكر, فيفوق أضعاف أضعاف ما ينتجه العرب أجمعين!! ليلفت انتباهنا إلي ضرورة قراءة هذا الآخر المختلف وقبله الذات.. وذكر أمريكا وإسرائيل هنا, كان من باب النقر وتفعيل نشاط الفكر والرأي والمبدأ, لا من باب التشفي أو التطبيع!! إذن العربي لا يقرأ ولا ينتج فكرا أو أدبا يليق به; فالنتيجة الطبيعية أن العربي يغير جلده مع كل حاكم جديد.. ويغير دينه مع كل نبي.. ويغيب عقله كل مساء حتي لا يواجه نفسه: هل هو حي أم ميت؟. ومن الإنسان العربي ووطنه العربي, يصل الكاتب إلي الإنسان المصري ووطنه مصر, ويقوم بانتقادهما وكشفهما أمام أعين القارئ ليريه الحقيقة بأن مصر أفضل بلاد العالم!! هكذا يكذب المصريون علي أنفسهم, لأن لا عقل لهم; لكسلهم ونومهم علي وسادة القناعة والتسليم بالمكتوب.. فهم أهل مصر المحروسة.. الموكوسة.. المنحوسة!! هكذا وصفها الكاتب علي لسان إحدي الشخصيات التاريخية! ولكن لماذا استدعي الكاتب هذه الأوصاف الآن؟! سأقول متحريا الدقة والأمانة في فضاء الإبداع الحافظي: إن الكاتب كتب روايته( كل من عليها خان) خلال أعوام من أهم وأخطر أعوام تاريخ مصر الحديث, لأن كل من عاش علي أرضها في هذه الأعوام: خان.. وهان.. وبان.. وفان!! وكانت مصر: منحوسة.. وموكوسة.. ومحروسة!! ورحم الله كاتب الرواية; لأنه كان الأقوي والأشجع والأجرأ; فقد كتب.. وسجل.. وحكم.. وبرر.. وفسر, ولم يهلل.. أو يزمر.. أو يطبل!! أي أنه سلك أوعر الدروب, وسجل أروع الكلمات, فكتب لنا رواية فاضحة للمواقف والمعاني, وقال رأيه, وصمم علي موقفه, ساخرا من كل من طبل وزمر وهلل; لأنه يعرف أن التاريخ لا يعترف إلا بالرجال.. فالرجال مواقف!! وهو رجل موقف, قالها صريحة: إن مصر منحوسة وموكوسة ومحروسة!!