التفكيك الابداعي هو المسمي الحقيقي لمضمون الكلمة الانجليزيةcreativedestruction والتي عبر عنها البعض بلفظة( الفوضي الخلاقة) وهي إحدي الاستراتيجيات الخاصة بالتطوير وتقوم علي فكرة الابداع وفق صورة ذهنية مرغوبة يتم تحويلها إلي واقع ملموس وتطبق علي الكيانات التي تعاني من فشل كبير ولم تعد تحقق الدور المرغوب منها. وقد تناولها فضيلة مفتي مصر الاستاذ الدكتور علي جمعة في عدة مقالات بجريدة الأهرام اليومية عام2007, من منظور الخلق والابداع الالهي كما عبرت عنه مختلف الديانات. ولتوضيح هذه الاستراتيجية لنتصور حالة الطفل ولعبة( المكعبات) حيث يقوم بتجميع المكعبات( المبعثرة في حالة فوضي) لبناء شكل محدد في ذهنه وليكن منزلا وبعد فترة يقوم( بتفكيك) ذلك البناء لتصبح المكعبات مرة أخري في حالة( فوضي), ثم يعاود الطفل تركيب نفس المكعبات لبناء شكل جديد وليكن سيارة. وهكذا تقوم اللعبة علي وجود صورة ذهنية في كل مرة يحلم بها الطفل يتم طبقا لها التفكيك ثم إعادة البناء وبنفس الطريق تقوم الاستراتيجية علي وجود حالة ابداعية تنطلق منها كل الجهود الخاصة بتفكيك ما هو قائم من كيانات تعاني من مشاكل ومعوقات تدهور معها مستوي الأداء ولديها موارد صالحة يمكن الاستفادة بها في إعادة بناء نفس الكيان وفق منظور جديد كما في حالة الأجهزة الحكومية التي تعاني منرمشاكل متراكمة سواء في مجال التعليم أو الصحة أو المحليات وأجهزة الأمن. ويصعب في حالتها تطبيق الاستراتيجيات الأخري للتطوير مثل إعادة التنظيمreorganization أو التطوير التنظيمي أو إعادة الهيكلة لأن الأولي تطبق عندما تحدث تغيرات محدودة تؤثر علي الأداء فيتم استحداث أو إلغاء( تقسيمات إدارية أو وظائف معينة) لتعديل الهيكل التنظيمي الحالي كما يحدث عند إدخال الحاسب الألي مثلا أما التطوير التنظيميOrganisationdevelopment فهو استراتيجية أكثر شمولا تقوم علي إحداث تغيير إلي الأفضل في العناصر المختلفة للمنظمة بما في ذلك الموارد المادية( الأصول) والموارد البشرية والجوانب اللائحية والإجرائية لتصبح المنظمة أكثر فعالية وقادرة علي تحقيق نفس الأهداف بمستوي أفضل. أما استراتيجية إعادة الهيكلةrestructuring فتنطبق عند الرغبة في استخدامه نفس الموارد وفق مفاهيم جديدة وطبقا لعلاقات جديدة وسياسات جديدة لتحقيق مستوي أفضل من الأداء وبالتالي فإنه عندما تكون الكيانات القائمة قد وصلت إلي حالة من التدهور تتطلب تغييرا جذريا للتخلص من كل ما هو قائم والإنطلاق إلي افاق جديدة كما في بعض الأجهزة الحكومية المصرية حاليا والتي تراكمت بها مشاكل وتشوهات مثل الفساد, وغياب العدالة, وعدم احترام أحكام القضاء, وانعدام الشفافية, وانخفاض مستوي الأداء في جميع المجالات, فإن استراتيجية( التفكيك الابداعي) تصبح هي الأنسب لاحداث التغيير المرغوب لتحقيق الحلم الكبير لبناء أجهزة تناسب متطلبات المرحلة القادمة, ويتطلب تطبيقها توافر العوامل التالية: 1 وجود قيادة تفاعلية قادرة علي التغيير وفق رؤية استراتيجية تقوم علي الابتكار وتنطلق من حلم كبير مرغوب تحقيقه. 2 وجود معلومات وحالة من الشفافية عن الواقع السائد مع الاستعانة بالخبراء المتخصصين وأهل الرأي من خارج المؤسسة المرغوب إعادة بنائها. 3 التشخيص الدقيق لحالة الكيانات الحكومية القائمة لتحديد جوانب القوة وجوانب الضعف في مواردها وممارساتها. 4 وضع صورة ذهنية تقوم علي الابتكار والابداع لما يجب ان يكون عليه الحال في تلك الكيانات وفق متطلبات المرحلة القادمة. 5 وضع برامج عمل مختلفة لتفكيك الكيانات الموجودة والتخلي عن النظم القائمة والتحرر من الممارسات الحالية غير المرغوبة مع تحديد الموارد والممارسات المطلوب الحفاظ عليها والاستفادة منها في إعادة البناء. 6 إعادة بناء الكيان وفق الصورة الذهنية المرغوبة اعتمادا علي الموارد الصالحة( بعد التفكيك) مضافا إليها الخبرات والممارسات الجديدة من خارج المؤسسة( لحقن) مفاهيم وقيم جديدة مطلوبة في المرحلة المقبلة. 7 تنمية الموارد البشرية وإعادة تأهيلها لتصبح قادرة علي العمل وفق المفاهيم الجديدة وبالمعايير المستحدثة. 8 اعادة صياغة النظم واللوائح وإجراءات العمل وفق الرؤية الجديدة وبمشاركة واسعة من جميع الأطراف. 9 وجود نظام متكامل لتقييم الأداء والمتابعة المستمرة والتدخل اللازم لتحسين الأداء بصفة منتظمة ومستمرة. 10 وجود نظام للتحفيز والمكافآت يضمن اندماج الجميع في عملية التغيير والتوافق السريع مع المنظومة الجديدة. 11 قد يتطلب الأمر التخلي عن الاسم القديم للكيان الحكومي وإعطاءه اسما جديدا يعكس الفلسفة الجديدة والتوجه الجديد مع الحرص علي ترسيخ ذلك وإجراء بعض التعديلات الشكلية لدي الأطراف المستفيدة وفق خطة إعلامية متدرجة في التطبيق. ولا شك أن نجاح تطبيق هذه الاستراتيجية سوف يؤدي إلي إعادة صياغة كثير من المفاهيم السائدة لدي المواطنين والعاملين بالأجهزة الحكومية ويسهم بدرجة كبيرة في ترسيخ ثقافة جديدة وسلوكيات جديدة مثل المبادرة والإلتزام الذاتي, وروح الفريق, واحترام المواطن والجودة الشاملة, والتحسين المستمر للأءاء وغير ذلك من القيم التي تعني انتقال الأجهزة الحكومية إلي واقع جديد تتحقق فيه النهضة الشاملة ويتأكد فيه احترام المواطن وتعود فيه مصر لتلعب الدور المتوقع منها اقليميا وعالميا.