في مطلع هذا الأسبوع أدلي الرئيس السوداني عمر البشير بحديث مطول إلي جريدة الشرق الأوسط أثناء زيارة له للسعودية. وقد تناول في هذا الحديث الكثير من القضايا التي توضح في مجملها المحاور الأساسية لخطاب وتحركات النظام السوداني الخارجية في هذه المرحلة.. انصب جزء كبير من الحوار علي تأكيد التنصل من العلاقة الوثيقة السابقة مع إيران والانقلاب عليها بفجاجة, واعتبارها خطرا شيعيا صفويا يعادل ويماثل ويتعاون مع الخطر الصهيوني علي المنطقة العربية.. والمفارقة هنا انه سبق لإسرائيل أن وجهت عدة ضربات عسكرية لمواقع سودانية بسبب علاقة الخرطوم مع طهران.. والآن النظام السوداني ينتقل إلي مربع السعي للتواصل والتودد إلي إسرائيل كجزء من حزمة توجهاته الجديدة, وقد التقطت تل أبيب الخيط بدورها وتفاعلت مع هذه التوجهات المستجدة, إلي حد توسط إسرائيل لتحسين صورة السودان لدي أمريكا- طبقا لتقارير صحف إسرائيلية عديدة كمكافأة لانقلاب السودان علي إيران. الشاهد ان المواقف السودانية لا تثبت علي حال ولا ترتكن إلي مبدأ وإنما تنزع باستمرار الي التلون والتقلب بهدف تمويل بقائها في السلطة بأي شكل وبأي ثمن.. وما يعنينا في هذا المقام هو ما أشار إليه الرئيس البشير حول العلاقة مع مصر متحدثا عن قضية حلايب التي سبق للنظام السوداني ان صنعها وصعدها عامدا لنشر الجفاء والخصومة ضد مصر في تسعينيات القرن الماضي وجعلها بمثابة حصان طروادة في العلاقات بين البلدين, وأشار أيضا الي وجود عناصر من المعارضة السودانية في مصر.. ورغم ان هاتين القضيتين تمثلان الشماعة التقليدية المكررة التي يتم اجترارها باستمرار, إلا ان اللافت ان هذا يأتي بعد شهر واحد من الاحتفاء المصري الهائل بالرئيس البشير في مصر ومنحه وسام نجمة سيناء العسكرية وتوقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهمات, وما تصاحب مع ذلك من ترحيب إعلامي مصري كبير وصل إلي حد التهليل والتكبير. لقد حذرنا حينها من ان هذا المنحي السطحي في إصلاح العلاقات مع السودان أمر بائس, ويمثل وصفة تقليدية لإعادة إنتاج الفشل, وكأن من يتصورون نجاح هذا الأسلوب لا ذاكرة لهم ولا دراية بما يدور حولهم.. ان العمل علي إصلاح العلاقات مع السودان حكومة وشعبا, امر ايجابي ومطلوب في كل الأوقات ولكن هذا لا يكون إلا بتوافر إرادة سياسية حقيقية وصادقة لدي النظام السوداني, وبالنقاشات الجادة والموضوعية لملفات الخلاف وكلها حساسة وخطرة سواء فيما يتعلق بمياه النيل أو الموقف في ليبيا.. أو إيواء السودان لعناصر إرهابية من تنظيم الإخوان المصري وفتح مكاتب وأنشطة إعلامية لها بالخرطوم, والأخطر من ذلك تدريب وتسليح عناصر ما يسمي الكتائب الإخوانية النوعية استعدادا لتحريكها والدفع بها في أوقات معلومة. والسؤال هنا فيما يتعلق بإقامة بعض الشخصيات السودانية المعارضة في مصر بعد ان ضاقت بهم السبل في السودان.. هل المطلوب هو طردهم رغم عدم ممارستهم لأي نشاط غير سلمي يمثل تهديدا من أي نوع ضد النظام السوداني الحالي.. أم يريد الرئيس البشير أن تعامله مصر بالمثل وتقوم بتدريب وتسليح من يرغب من العناصر السودانية المسلحة- وهم كثر علي كل الجبهات- كما يفعل هو مع عناصر الإخوان الهاربة من مصر أو النازحة من تركيا..!!