هل يمكن عودة الحكم العثماني للمنطقة؟ هذا السؤال كان يمكن أن يكون مثيرا للسخرية وربما الضحك لو تم طرحه منذ سنوات قليلة, وقد لا نجد فكرة عودة الخلافة العثمانية إلا في تهاويم بعض الجماعات السلفية, أما طرحه بجدية من الرئيس التركي أردوغان فيجب أخذه علي محمل الجد, فقد أعلن أردوغان أنه يجب إعادة النظر في معاهدة لوزان الموقعة في عام1923, والتي رسمت حدود تركيا بعد سقوط الدولة العثمانية, والتي تتضمن أيضا أوضاع الدول التي خرجت من الحكم العثماني, من بلاد المشرق العربي, وكل من مصر والسودان, وحتي اليونان وبلغاريا. وما يزيد من خطورة الحديث عن إعادة النظر في معاهدة لوزان أن القوات التركية توغلت داخل أراضي كل من العراقوسوريا, وترافقت مع تصريحات حول الحقوق التاريخية لتركيا في الموصل وحلب, بل إن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر حاول إقناع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بقبول مشاركة القوات التركية في معركة طرد داعش من الموصل, وعرض إغراءات بمساعدات عسكرية أمريكية للعراق مقابل القبول بالقوات التركية علي أراضيه, وعندما رفض العبادي مقترحات وزير الدفاع الأمريكي تراجعت الطلعات الجوية الأمريكية علي معاقل الدواعش في الموصل, وهو ما أثار غضب القوات العراقية والبشمركة الكردية التي اعتمدت علي الغطاء الجوي الأمريكي أثناء تقدمها لتحرير الموصل, وتسبب تراجع الطيران الأمريكي في خسائر كبيرة للبشمركة الكردية التي دربتها وسلحتها أمريكا. الإصرار الأمريكي علي السماح بالتوغل التركي في أراضي العراق والموصل هو من شجع المسئولين الأتراك علي محاولة إضفاء مشروعية علي الأطماع التركية, سواء بادعاء أن تواجدهم كان بموافقة عراقية قديمة, أو أنه للدفاع عن النفس ضد تهديدات داعش أو حزب العمال الكردستاني, حتي وصل إلي البحث في الدفاتر التركية القديمة, والحديث عن تعديل معاهدة لوزان, التي مضي ما يقرب من قرن علي توقيعها. أمريكا تواجه مأزقا صعبا, فقد حانت نهاية دولة داعش, ولا تجد قوات صديقة قادرة علي وضع يدها علي إرث داعش من الأراضي والمدن, خاصة في العراق, فلم تنجح في تجهيز قوات كافية من العشائر العراقية السنية, لتحقيق هدف تقسيم العراق, ولا يمكن للأكراد أن يوسعوا سيطرتهم علي تلك المساحات الشاسعة من الأراضي, لأنها ستصطدم بالقوات العراقية والحشد الشعبي, ومن ناحية أخري سترفض تركيا التوسع الكردي الذي يمكن أن يغريهم بالاستقلال, وهو ما يهدد وحدة تركيا, أما أثيل النجيفي محافظ نينوي السابق, والمطلوب القبض عليه في بغداد بتهمة العمالة لدولة أجنبية, وأنه سهل سيطرة داعش علي محافظة نينوي وعاصمتها الموصل, فليس لديه إلا أعداد محدودة من أتباعه, لا يمكنهم الصمود طويلا علي الأرض, ومن الصعب أن تعلن واشنطن مساندة النجيفي المطلوب أمام محاكم بغداد, والمشتبه بأن أتباعه من الدواعش الذين خلعوا ملابسهم السوداء, ليعودوا إلي حكم الموصل بأقنعة جديدة. لا تجد واشنطن غير أردوغان الذي لا تثق به كثيرا, وتعرف أطماعه في سورياوالعراق, لتحقيق طموحاته ونهمه لتوسيع سلطانه, ومع ذلك فليس أمام أمريكا إلا القليل من البدائل, ليس من بينها أن تزيد من حجم قواتها البرية, وأن تعيد مأساة غزو العراق, خاصة أن الساحة هذه المرة أكثر صعوبة, ومزدحمة بالأعداء, وفي مقدمتهم روسيا وإيران, إلي جانب جيشي العراقوسوريا وقوات حزب الله اللبناني والحشد العراقي والدفاع الوطني السورية, وليس أمام أمريكا إلا خيار الاستعانة بأردوغان أو ترك الأراضي التي كان يحتلها الدواعش لخصوم أمريكا.