لا يعنينى كثيرا (على الأقل فى سياق هذه السطور) كل ما يتضاغط فيه الأمريكان والروس أو يتناقروا حول مشاهد وفصول الأزمة السورية، فالأرجح أن كلا منهما مدفوع بالجزء (العملياتي) لا الجزء (الإستراتيجي) منها. ولكن ما يهمنى هو ما تتفق عليه أجهزة الدولتين ومؤسساتهما، لأنه- بحكم المنطق- هو ما يمكن التعويل عليه فى بناء شكل للمنطقة أو صيغة لدولها وللعلاقات بينها. وما استلفتنى - مؤخرا- من نقاط الاتفاق النادرة بين البلدين، هو التأكيد المتواصل على ضرورة إغلاق الحدود بين تركياوسوريا على نحو كامل، وبالذات ثغرة يصل اتساعها إلى مائة كيلومتر، وهى التى يتم عبرها تهريب النفط من داعش والمقاتلين إليها، وإن لاحظنا بعض الفروقات الطفيفة مثل ادعاء واشنطن بأن تهريب النفط لا يتم- بالضرورة- لصالح الحكومة التركية أو عائلة إردوغان، وهو ما تشير الدلائل الواقعية إلى كذبه كون صهر إردوغان وزير البترول التركى برات البيراق أحد الذين تدور حولهم الشبهات بقوة، اتهام التربح والفساد والرشوة. نهايته..الدولتان متفقتان على ضرورة إغلاق الحدود التركية/ السورية، وبما يعنى إغلاق الباب بالضبة والمفتاح أمام فكرة المجال الحيوى التركى فى سوريا، أو إحياء العثمانية فى وطن بديل بعد أن فشلت فى مصر وأطاحتها ثورة 30 يونيو العظمي. هذا الإقرار والمطالبة الكونية بأن تلتزم تركيا حدودها، أصابها بلوثة عصبية وجعلها تندفع فى عمل أخرق جديد هو دخول 120 خبيرا عسكريا من تركيا مصحوبين بعشرين دبابة إلى باعشيقة فى جوار الموصل، وإعلان أنقرة احتمال زيادتهم إلى 1200 لتدريب قوات البيشمركة الكردية على ما قيل إنه قتال داعش، ولما هاج العراق منتفضا للدفاع عن سيادته، ادعى إردوغان أن قواته إلى باعشيقة كان بناء على طلب أثيل النجيفى محافظ الموصل السابق منذ عام وأن العبادى أيد ذلك الطلب. والحقيقة أن تركيا (حرامية النفط والأرض والأدوار السياسية فى المنطقة) تستخدم فى ذلك منطقا ساقطا إلى أبعد الحدود، فحتى إذا سلمنا بأن النجيفى والعبادى طلبا ذلك، فإنهما طلباه (لمرة واحدة) وفى مهمة محددة، ولم يعطيا تفويضا للأتراك كيما يستبيحوا السيادة والحدود العراقية كلما شاءوا، وبالعدد الذى يرونه من الجنود. يبدو أن النظام التركى يحتاج إلى إعادة تأهيل. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع