أنا من اللا أدريين..آه أنا من اللا أدريين.. أي لا أدري.. نعم هناك إله فوق الكون منظم وغير ذلك.. أنا لا أدري ولا يسألني أحد.. جسدي لا يطاوعني.. جسدي صار عدوي.. صار متخشبا صلبا.. زمان كنت ألعب معه وأتلاعب به.. كنت لا أنقطع عن الرقص في روسيا من السالسا والرقصات الأفريقية إلي السامبا وغيرها.. كان جسدي طيعا مباركا فيه.. الآن تخشب لا أدري.. لا أدري. هذا ما ذكرته سوزان في رواية محاكمة تنكرية التي أضاف بها الكاتب حسن هند صفحة جديدة في مشواره الروائي والتي التي صدرت هذا الأسبوع, وينعم النص فيها بعدد من الشخصيات الفاعلة التي تحاكم الدكتور عبد المنعم خاصة لجنة المحاكمة التي تعقدها له الجامعة, لأنه كشف سرا داخليا للوزارة التي انتدب إليها. وفور متابعة الأسطر الأولي من الرواية تجد أنها تمثل رافدا من روافد الإبداع العربي الكاشف الذي يظهر ما يعتور المجتمع من فساد ينخر في عظامه فيودي به إلي هاوية لا ينفك المجتمع- منها. بداية المحاكمة من الفعل الثلاثي حكم بما له من صلة وثيقة بالحكم وعبر حيثيات الحكم تتم المحاكمة. والمحاكمة تعني العدل والعدالة لكنها حينما تصبح محاكمة تنكرية أي أن كل ما فيها زائف, فهي ليست محاكمة بل هي محاكمة صورية لا يؤديها سوي أشخاص من مصالحهم ألا يسود تلك القضية العدل. وإلا تتم المحاكمة فيصبح المحاكم( الدكتور عبد المنعم) في سجن مفتوح. والدكتور عبد المنعم الشخصية الرئيسية في النص ينتدب للعمل في إحدي الوزارات خارج الجامعة, لكنه لا يألوا جهدا في كشف فساد تلك الوزارة السيادية لصالح أحد رجال الأعمال الذي لا يريد أن يبلع الوزارة فحسب, بل يريد أن يبلع اقتصاد مصر بأثرها. ومن هنا فعندما يكشف الدكتور عبد المنعم محاباة الحكومة لرجل الأعمال رشاد وتشجيعه علي الاستثمار بما يضر البلد يتصدي د. عبد المنعم لذلك فيتحول من أستاذ جامعي له قامة كبيرة إلي شخص مدان ومعاقب طوال الحياة. كما أن وجود الشركات متعددة الجنسيات التي تتاجر وتستثمر في الوطن العربي صار أمرا واقعا لا محالة, لكن أن يتحول القائمون علي هذه الشركات( ملاكها) إلي نهب ثروات الوطن العربي بآليات قانونية فهذا غير مقبول. يعرج النص علي العلاقة بين الشرق والغرب. الغرب الغازي الذي استبدل الاستعمار الملموس للشرق بالاستعمار الخفي المتمثل في الشركات متعددة الجنسيات التي تفرض علي البلد- الذي يحتاج إلي الاستثمار وبالتالي العملة الصعبة- طريقة الاستثمار المريحة والمربحة والمجحفة للبلد بما يؤدي إلي نزوح الأموال(Transfer) من البلاد العربية ومن ثم تكدسها في ايدي مجموعة عائلات تحكم العالم فيما يسمي احتكار القلة. ستيفانيا هي الغرب الغازي ونجد أنها وبسيرة حياتها وعلاقتها برجل الأعمال رشاد تمثل معبرا مهما في النص حيث يتعرف عليها رشاد في أوروبا ثم ما يلبس أن يحضرها للعمل معه في مصر كي تكون جسرا لعلاقة ثنائية تمثل مشاركة الإنتاج(artShare) بين عائلات تتحكم في رأس المال في الخارج ووكلائهم في الداخل. كتبت الشخصيات النسائية الأخري في النص بالتفاصيل التي تمثل إدانة اجتماعية عبر الفقيرات( أم إبراهيم وسوزان عزت). سوزان عزت هي الشخصية الضد التي استخدمها السرد كي تكون الوجه الآخر مقارنة بالسيدة( الهانم) سوزان محمد زوجة الدكتور عبد المنعم التي ترفل في النعيم وتحاول أن تبدو مناضلة رغم انها توقن في قرارة نفسها أنها تمثل الكيتش النضالي الذي لا يغير في المجتمع, بل ظلت المثقفة سوزان محمد تتكلم وتنتقد شفاهيا طوال حياتها كدأب المثقف غير الفاعل الذي لا يفعل اي شيء سوي التنظير, مما يصيبها بمرض نفسي يضفي بظلال من الكآبة علي حياتها بينما تتستر وراء ذلك بالظهور كمذيعة تليفزيونية أيضا لا تفعل شيئا سوي الكلام.