{ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة}( النساء:100). رغب سبحانه في الهجرة من أجل إعلاء دينه بأسمي ألوان الترغيب فقال: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة, وقوله: مراغما اسم مكان أي يجد في الأرض متحولا ومهاجرا. والمعني: ومن يهاجر تاركا دار إقامته من أجل إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه, يجد في الأرض أماكن كثيرة يأمن فيها مكر أعدائه وظلمهم, ويجد فيها من الخير والنعمة والسعة في الرزق ما يكون سببا لرغم أنف أعدائه الذين فارقهم كراهة لصحبتهم القبيحة, ومعاملتهم السيئة. قال الفخر الرازي: وذلك لأن من فارق بلده وذهب إلي بلدة أجنبية, فإذا استقام أمره في تلك البلدة الأجنبية, ووصل ذلك الخبر إلي أهل بدلته خجلوا من سوء معاملتهم له ورغمت أنوفهم أي أصابهم الذل بسبب ذلك. فكأنه قيل: أيها الانسان إنك كنت تكره الهجرة عن وطنك خوفا من أن تقع في المشقة والمحنة والسفر, فلا تخف فإن الله تعالي سيعطيك من النعم الجليلة, والمراتب العظيمة, في دار هجرتك ما يصير سببا لرغم أنوف أعدائك, ويكون سببا لسعة عيشك. وإنما قدم سبحانه ذكر رغم الأعداء علي ذكر سعة العيش, لأن ابتهاج الانسان الذي يهاجر عن أهله وبلده بسبب شدة ظلمهم له بدولته من حيث إنها تصير سببا لرغم أنوف الأعداء أشد من ابتهاجه بتلك الدولة من حيث إنها صارت سببا لسعة العيش عليه.