لم يكتف البرلمان المصري بأنه في واد والمصريون في واد آخر وأنه لا يمثل الشعب وإنما يمثل الحكومة وها هو البرلمان يخرج لسانه للمصريين جميعا ويصرف ملايين الجنيهات علي احتفالية لن تقدم أو تؤخر في مسيرة الأداء البرلماني ولن تحل مشاكل المصريين المزمنة التي لم يهتم النواب بمناقشتها. ليس مهما الحديث عن الأخطاء اللغوية التي ارتكبها رئيس البرلمان, والتي وصلت إلي165 خطأ لغويا خلال كلمته في احتفالية شرم الشيخ, فهذا ليس بيت القصيد وبغض النظر عن الأهداف السياسية والترويجية التي تحققت من خلال هذه الاحتفالية,إلا أن هذه الاحتفالية لم يكن لها مبرر وجاءت لتمثل تحديا لواقع المصريين المأساوي لأنها أتت في وقت تطالب فيه الحكومة المصريين بشد الأحزمة علي البطون, وتحمل تبعات الإصلاح الاقتصادي وما يقتضيه قرض صندوق النقد الدولي من إجراءات تقشفية. فكيف يمكن للشعب أن يتقبل هذه الازدواجية من مجلس النواب ومن الحكومة, هذا الاحتفال كان من الممكن أن يعقد في القاهرة وهو في نفس الوقت احتفال لا أهمية له في وقت تعاني فيه مصر أزمات اقتصادية ويتحمل المصريون مشقات لا حصر لها ولا عدد, أسهم مجلس النواب في تصعيد حدتها بدلا من احتوائها والعمل علي تجنب مخاطرها وتبعاتها. من أين دبرت الدولة الملايين التي صرفت علي هذه الاحتفالية التي ضمت ممثلين لأكثر من40 دولة من البرلمانيين العرب والأفارقة, إضافة إلي أعضاء مجلس النواب الذين رفضوا فرض ضرائب علي دخولهم في الوقت الذي وافقوا فيه علي العديد من الضرائب والإجراءات التي تلهب ظهر المصريين, ناهيك عن جيوش الإعلاميين الذين حضروا هذه التظاهرة, التي كبدت خزينة الدولة نفقات سفر وإقامة وتأمين وغيرها من المصروفات, إنها احتفالية كنا في غني عنها, ولم يكن هذا وقتها. تلك الاحتفالية تذكرني بمثل شعبي, يقوله بسطاء المصريين, عندما يرون رجلا مثقلا بالديون ويبالغ في مصروفاته وتصرفاته, فيقولون عنه( أقرع ونزهي), يقصدون بذلك سوء التصرف وعدم المصداقية واهدار المال. هذا بالضبط ما يمكن أن نقوله عن احتفالية البرلمان في شرم الشيخ,ففي الوقت الذي يتأجل فيه إقرار العديد من القوانين, لعدم اكتمال النصاب القانوني, حرص أعضاء المجلس الذين يتهربون من الجلسات علي حضور هذه الاحتفالية من باب الفسحة والمتعة, والسهر والسمر, وهم ليسوا ملومين, فقد جاءت الاحتفالية كمكافئة لهم علي أدائهم البرلماني الذي لبي مطالب الشعب!! كيف يقتنع الشعب بدعوات التقشف في وقت يري فيه المسئولين وأجهزة الدولة وعلي رأسها البرلمان يمارسون أبشع أنواع إهدار المال العام, هذا ليس وقت الاحتفالات والاستفزازات, ما جري في شرم الشيخ كان أشبه بسرادق احتفالي استفزازي أقامته الدولة بينما يعيش الشعب حالة من الضنك فلا مجال إذن أن نطالبهم بأن يشدوا الأحزمة ويرشدوا الاستهلاك. أنا يا سادة لست ضد أن نحتفل أو نبحث عن فرص للبهجة والفرح, ولكن أن يكون لذلك وقته المناسب, فهل نسي أصحاب هذه الاحتفالية مشاعر الحزن والألم التي لا تزال تخيم في سماء أهل الشباب الغرقي أمام سواحل رشيد, وهل تناسي نوابنا تأثير ضريبة القيمة المضافة, ألم تكن هناك أمور أولي أن تنفق عليها هذه الملايين من احتفالية مظهرية بحياة برلمانية لسنا فيها منفردين أو متميزين,لم نسمع أن دولة من دول العالم أصحاب العراقة في الحياة البرلمانية والديمقراطية أقامت مثل هذه الاحتفالية..لا تستفزوا الناس.