تطلق كلمة تقنين الأوضاع في قطاعات الحكومة علي كل مخالف للقانون ارتكب جرما في حق الدولة نهارا جهارا ثم عاد في وقت ما ليضفي علي مخالفته صفه رسمية, ويقول للدولة عيانا بينا أنا المخالف للقانون, وكم تريدون لتقنين الوضع الخطأ, ليحمل صكا رسميا بالملكية القانونية, وعلي ما اعتقد لا يوجد هذا المبدأ الغريب الذي يقنن السرقات العامة في أي دولة من العالم, ولكنه في مصر يتخذ مسميات غريبة وعجيبة, فتراه في وزارة الزراعية يسمي وضع اليد, وفي وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية تعديات وفي وزارة الري أشغال وجميعها بالطبع سرقات للمال العام, فما هي حكاية وضع اليد في مصر أو السرقات تحت سمع وبصر الدولة؟ البداية كانت عند بدء عمليات استصلاح الأراضي لزيادة الرقعة الزراعية في العام1975 م عندما قال الرئيس السادات إن الأراضي الصحراوية لمن يزرعها, وكان القصد هو التسهيل لا السرقة, فتنافس الناس علي الاستيلاء علي اكبر مساحة ممكنة من الأراضي الجديدة لزراعتها والمتاجرة فيها وهنا فقط ظهر طابور من المنحرفين والبلطجيه ليطلقوا علي أنفسهم لفظ( عرباوي) يفرضون الإتاوات علي كل من يفكر في استصلاح أرض جديدة وسيطروا بالفعل علي الجزء الأكبر من الأراضي القريبة إلي المدن, وامتد نشاط هؤلاء المنحرفين إلي المدن الجديدة وفرضوا إتاوات مالية علي كل وافد جديد وكأنهم دولة داخل الدولة أو عصابات تفرض سيطرتها وكلماتها الموازية والمنافسة أحيانا لكلمة الدولة, هذه الظاهرة الغريبة كانت سببا جوهريا وأساسيا لهروب الاستثمارات الداخلية والخارجية, لأن غالبية المستثمرين اشتروا الأراضي مرتين أو ثلاثا مرة من واضع اليد ومرة من الدولة المالك الأصلي ومرة ثالثه من( العرباوي) الذي يفرض إتاوات شهرية مفرطة وبتهديد القوة بحجة الحراسة, الغريب حقا أن لجان تقنين الأوضاع أو قل السرقات العمومية تتشكل حسب الأهواء الشخصية لكل وزير, فمرة تقنن الأوضاع بسعر الأعوام السابقة, ومره تقدر السعر وفقا لأسعار البيع المماثل للمنطقة نفسها وقت بدء الإصلاح, ومرهة ثالثة يكون سعر الأرض مثل السعر الرسمي للدولة من عشرات السنين كما حدث خلال تقنين وضع أراضي مدينتي والتي كانت تباع للجمهور داخل المدينة بسعر لا يقل عن2000 جنيه للمتر وتم تقنين أوضاعها بسعر لا يزيد عن300 جنيه, فما هو الجديد في هذا الشأن؟ الجديد هو تصريح المهندس إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية رئيس لجنة مكافحة الفساد والاستيلاء علي أراضي الدولة, أن وضع اليد علي أراضي الدولة لا يمثل صفة قانونية تذكر عند تقنين الأوضاع, ولا يتم تقنين وضع أي مساحة من الأراضي التابعة للدولة إلا وفقا لشروط محددة, هذا أول الغيث لوقف حماية واضعي اليد علي ممتلكات الدولة, وطمأنة المستثمرين أن ظاهرة العرباوي واضع اليد في طريقها إلي الزوال, وان حق الدولة من المستهترين والفاسدين سيعود إلي مستحقيه, وان دولة القانون ستسود مهما واجهت الدولة من مصاعب وتحديات, كنت أتمني أن يقول المهندس إبراهيم محلب انه لا تفاوض مع واضعي اليد وأنهم متهمون يخضعون للمساءلة القانونية وان الغرامات عليهم ستكون مضاعفة من وان السنوات التي قضاها هؤلاء في أملاك الدولة ستسدد كإيجارات بسعر اليوم, وانه لا يوجد أي شروط لتقنين أوضاع السارقين مهما كانت التضحيات, وانه لا تصالح مع من يخطئ أو يمس حق الشعب, هنا فقط سيستقيم الحال وسيتدفق الاستثمار الخارجي وستظهر الأموال من تحت البلاطة في مصر وتتجه لاستثمار حقيقي منتج, بدلا من البحث عن فوائد بنكية أو مشروعات استهلاكية غير مفيدة.