بعد أن أصبح في سن الكهولة, حيث يختتم دورته الأربعين فجر غد الثلاثاء بتوقيت القاهرة, يواجه مهرجان أفلام العالم, بمدينة مونتريال الكندية, أسئلة مصيرية تتعلق بقيادته وإدارته, وكذلك شكله وصيغته في المستقبل, في ظل غموض موقف رئيسه الحالي, ومؤسسه أيضا, الثعلب العجوز سيرج لوزيك(85 عاما), الذي لا يعرف أحد ما إذا كان سيستمر في منصبه الدورة المقبلة أم سيتركه. وكان لوزيك, وهو أقدم وأكبر رئيس مهرجان سينمائي في العالم بلا منازع, حيث يرأس ويدير مونتريال منذ40 دورة متتالية لم تتوقف عاما واحدا منذ أن انطلقت عام1977, يريد أن يتنحي ويستريح, لذلك أعلن أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة- آخرها تصريحات له خلال تواجده في مهرجان كان السينمائي الأخير في مايو الماضي- أن الدورة الحالية, الأربعين, ستكون الأخيرة له في أفلام العالم.. لكن جاء تعرض مهرجانه لأزمة مالية هذا العام ليجعله يعدل عن قراره, ويقرر الاستمرار, بل ويصرح- في عناد- بأنه بدأ من الآن في الإعداد للدورة41 العام المقبل, وأنه سيجعل منها حدثا لا ينسي! بنفس العناد والإصرار, كان قد واجه جميع الأزمات التي تعرض لها مهرجان مونتريال طوال أربعة عقود, ومنها عاصفة هجوم عام2005 كادت أن تودي به, حين أعلن عدد من مثقفي وسينمائيي مونتريال رفضهم أسلوبه في الإدارة وتحويله المهرجان- حسب تعبيرهم- إلي عزبة خاصة به, وقرروا إقامة مهرجان جديد بنفس الاسم تقريبا قبل الموعد المعتاد لإقامة مهرجانه في أواخر أغسطس من كل عام, لكن مهرجانهم فشل فشلا ذريعا دفع الجميع في مونتريال- سواء المسئولين أو السينمائيين, فيما عدا قلة قليلة- إلي العودة للالتفاف حوله. أما أزمة هذا العام, فتكاد أن تكون أعنف, حيث انسحب عدد من الرعاة نتيجة بعض الخلافات مع لوزيك حول مطالبهم في مقابل متطلبات المهرجان, وحول أسلوب إدارته أيضا, مما وضع المهرجان في ورطة مالية, ودفع عددا من العاملين في إدارته إلي الاستقالة خشية عدم تنفيذ عقودهم وعدم حصولهم علي مرتباتهم.. لكن لوزيك العنيد تحدي الجميع, وأعلن أنه سيقيم المهرجان حتي لو أنفق عليه من جيبه, وحتي لو عمل وحده. تجب الإشارة هنا إلي أن الحكومة الكندية ليس لها أي سلطة علي لوزيك ومهرجانه, حيث أنه منظمة قائمة بذاتها لا تتبع الدولة أو أيا من هيئاتها, ولذلك يوصف بأنه أكبر مهرجان سينمائي مستقل في العالم, وعلاقة الدولة به لا تزيد عن تقديم الدعم الأدبي والمعنوي والمادي نظرا لما يحققه من نجاح في خدمة الثقافة السينمائية وكذلك الترويج لمونتريال كمدينة سياحية.. كما أنه المهرجان السينمائي الوحيد في أمريكا الشمالية- بما فيها الولاياتالمتحدة- الذي ينظم مسابقة دولية ويمنح جوائز, وفقا لتصنيف الفياف. والآن يبدو أفلام العالم في مفترق طرق, حيث لا يعرف شخص واحد- بمعني لكلمة- ما إذا كان الثعلب العجوز سيستمر كما يفعل في كل مرة وكل أزمة, أم أنه سيتنحي فعلا كما قال, وما إذا كان الرعاة سيعودون لدعم المهرجان, أم أنهم سيفضلون الابتعاد حتي تتضح الأمور.. وفي وسط المشهد الغامض الملتبس, لا يزال لوزيك مستمرا, وصلبا.