أريد أن تشددي علي أننا نعمل مع ومن أجل كل الأطفال. عملنا حتي الآن مع20 ألف طفل,300 منهم فقط من ذوي الإعاقة. يظن كثيرون أن كوني كفيفة, أنشأت مؤسسة تقدم خدماتها لذوي الإعاقة فقط. ولكن هناك الكثير من المؤسسات التي تركز علي ذلك. أما إنجازنا الحقيقي فهو أنني, كشخص ذي إعاقة, أريد أن أخدم كل مجتمعي وكل فئاته, بهذه العبارة قد تكون روان بركات, مؤسسة رنين في الأردن, قد اختصرت جمهورها المستهدف. ضربنا موعدا علي سكايب للحديث عن مبادرتها رنين التي تحولت من إنتاج الكتب الصوتية إلي عدد كبير من النشاطات; لم يكن ضروريا أن نري روان وتحركاتها وتصرفاتها, فنبرة صوتها المتحمسة والواثقة من نفسها عكست مدي إصرارها وتصميمها, هي التي ولدت كفيفة ولم تدع إعاقتها كما تسميها تقف حاجزا أمام أحلامها. فقبل أن تغوص في محادثتنا, أصرت روان علي ألا أتردد باستعمال مصطلح ذوي الإعاقة بدلا من ذوي الاحتياجات الخاصة شارحة الأممالمتحدة والكثير من الحقوقيين يعملون علي فكرة ذوي الإعاقة من أجل تمييزهم عن الأشخاص الآخرين. فأنت إذا كنت متفوقة, فأنت من ذوي الحاجات الخاصة. وتتابع أنه في النهاية جميعنا متساوون أنت وأنا نستخدم الموبايل, نستخدم التكنولوجيا ذاتها أي أننا متساوون. روان البالغة من العمر30 عاما حائزة علي بكالوريوس فنون مسرحية من الجامعة الأردنية وطالما انخرطت في الأعمال التطوعية. وتخبرنا: بدأت وأنا في الحادية عشرة من العمر. فهي زادت معرفتي في مجال حقوق الإنسان والطفل وبنت مهاراتي في التعامل مع أقراني لاسيما مع الذين ليسوا من ذوي الحاجات الخاصة لأن هذه النشاطات كانت مختلطة. وتتابع سنحت لي فرصة السفر عن عمر صغير لتمثيل بلدي مما ساهم في بناء شخصيتي. وأنا في عمر13 سنة, انضممت للمركز الوطني للثقافة والفنون الذي من خلاله تعرفت علي فكرة المسرح الذي تحول إلي حلم حياتي وأثر علي دراستي ومؤسستي التي أردت من خلالها أن يصل المسرح إلي الأطفال لاسيما المهمشين منهم في المناطق النائية. تحملنا روان في رحلة إلي الوراء وتحديدا إلي عام2005 حيث طلب من مجموعة شباب من جامعات مختلفة تقديم مشروع تطوعي لخدمة المجتمع. وهنا تقول أحدهم أراد طلاء بعض الجدران وآخر أراد تمضية يوم مع جمعية ما إلا أنني اقترحت إنشاء مكتبة صوتية من دون أن أدرك كل تبعاتها! لماذا؟ أردت مكتبة صوتية للأطفال لأنني وأنا صغيرة عانيت من نقص الكتب الصوتية. وأردت التركيز عليها لا علي تلك المكتوبة بطريقة البريل للمكفوفين, لأنني أردت أن يستفيد منها كل الأطفال. كما أنني أدرس الفنون المسرحية وبالتالي يمكنني توظيف ما أعرفه في التسجيلات الصوتية. وهكذا تطورت رنين من قصص مسموعة إلي أكثر من ذلك, أنشطة وورش عمل ومسرح تفاعلي. وتقول روان روحنا بالمؤسسة أو محرك أعمالنا الرئيسي هو القصص المسموعة ولكن النشاطات والبرامج التي نقدمها حول القصة المسموعة باتت أكبر وهمنا إنتاجها بشكل أفضل لتصل لكل الأولاد. فكرة رائعة انطلقت من دون أي ميزانية مع مجموعة من المتطوعين الذين سجلوا بداية13 قصة فقط لأننا لم نتمكن من شراء حقوق النشر ولم نتمكن من تأليف الموسيقي, فاستعملنا موسيقي عالمية, حتي عام2009 حيث انقلبت الأمور رأسا علي عقب مع الفوز بجائزة الملك عبدالله للإنجاز والإبداع الشبابي حيث تحولت فكرة رنين من مبادرة لمؤسسة غير ربحية تحصل علي التمويل من خلال أساليب متعددة. فتشرح لنا روان الجوائز التي حصلنا عليها وعددها ستة, أربعة منها مالية, هي إحدي وسائل التمويل إضافة إلي الشراكات مع القطاع الخاص الذي يتبني بعض المدارس مباشرة لأننا لا نقبل الهبات من أجل أن نطبق برامجنا ونزرع المكتبات الصوتية فيها. كما أننا نأخذ منحا من مؤسسات دولية ونبيع البرامج لمدارس خاصة ولمؤسسات اجتماعية تهتم بالطفولة; ونأمل أن يتحول النموذج الأخير إلي مصدر تمويلنا الأساسي لنعتمد علي أنفسنا بالكامل. حتي الآن, زرعت رنين200 مكتبة صوتية في مختلف مناطق الأردن من قري ومحافظات ومخيمات للاجئين الفلسطينيين وحتي بفضل الأنشطة مع معلمين يقدمون خدماتهم للطلبة السوريين. وتشرح لنا روان: نزود المدرسة بمجموعة من الأقراص المدمجة وأيضا بمشغل لهذه الأقراص لأن غالبيتها غير مجهزة كونها في مناطق نائية وأقل حظا. وإضافة إلي المكتبة الصوتية والمسرح التفاعلي لتنمية خيال الأطفال, تركز رنين اليوم علي الورش التدريبية للمعلمين, وتعقب روان: نصمم برامجنا من الألف إلي الياء. وورشنا التعبيرية بدأت مع الأطفال إلا أننا طورناها وبدأنا العمل مع المعلمين والمرشدين النفسيين. طموحات رنين لا تعرف حدودا حيث أكدت روان أن مشاريعها المستقبلية مرتبطة بشكل وطيد بشركتها ألا وهي تطوير وزيادة المحتوي الموجود, أكان علي صعيد المحتوي التدريبي أو القصصي. وتضيف نريد أن ندخل الوطن العربي ونفتح فروعا لنا فيه وأن تتبني مؤسسات عربية في مختلف الدول برامجنا لنصل إلي أكبر عدد من الأطفال. ولعل الحلم الأكبر هو المساهمة في تغيير المنظومة التعليمية التقليدية, لاسيما أن الجوائز العدة التي نالتها رنين هي خير دليل علي الاعتراف بالجهد الكبير التي تبذله, وهي محفز ودافع لمتابعة المسيرة من دون أن ننسي ردود فعل أهالي الأولاد الذين عمل كثيرون منهم علي الانخراط في أنشطة رنين. وتخبرنا روان أن دعم عائلتها اضطلع بدور كبير في عزيمتها. وتقول أختي الكبيرة شريكة معي في المؤسسة وكل البيت يدعمني طوال الوقت. أهلي حاولوا جاهدا أن يجدوا كل السبل لأتعلم وأعيش حياة كأي طفل آخر. ساعدوني علي بناء شخصيتي والاعتماد علي ذاتي وأعطوني مساحة من الحرية والاختيار. وتشدد علي أن معظم التحديات نابعة من جهل المجتمع وقلة الوعي مشيرة إلي أن تعليم وتثقيف الأطفال منذ الصغر أمر ضروري. وتشرح: إذا تعود الطفل أن يري في كتابه طفلا علي كرسي متحرك أو يتم دمج أي إعاقة في ألعاب الفيديو والرسوم المتحركة, يصبح الأمر طبيعيا لاسيما أن الطفل لا ينظر إلي الإعاقة علي أنها اختلاف. وحتي لو أن القوانين في المنطقة العربية قد تطورت إلا أن معظمها ما زال حبرا علي ورق. وضربت روان مثالا بالأردن حيث إن الملك سن قانونا حول نسبة توظيف ذوي الإعاقة في القطاع الخاص, إلا أنه لم يطبق بالشكل المناسب. وقارنت مع الدول الأوروبية حيث يعملون علي أن يمارس ذوي الإعاقة حياته بكل سهولة في حين أنه في العالم العربي ما زالوا ينظرون إلينا ويقولون سلامتها والله يشفيها متابعة التكنولوجيا تجعل الصورة علي الآيفون تحكي وتخبرني كم شخص فيها وماذا يفعلون.. تخيلي كم يهتم الغرب بالتفاصيل ونحن هنا ما زالوا يتساءلون إذا كان يحق لنا العيش وكيف. وبينما تخشي روان ألا تكون علي قدر المسئولية وألا تتمكن من الاستدامة والاستمرارية, تطلق صرخة للحكومات ووسائل الإعلام والمسئولين للعمل علي تغيير المنظومة التعليمية والنظر إلي ذوي الإعاقة علي أنهم أولا وأخيرا بشر. متخصصة في الثقافة والشئون الاجتماعية