لم أجد أنسب من الحديث في ذكري وفاة الأديب العالمي نجيب محفوظ, والتي تحل بعد3 أيام حيث انتقل الي رحمة الله في الثلاثين من أغسطس2006 غير كتاباته الأولي النادرة منذ أن كان طالبا في السنة الأولي بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة, والتي تدل بحق علي إضافته لثقافة مصر الرفيعة منذ مراحل شبابه الأولي والتي تنبئ بعبقرية مبكرة واضحة, قلما يجود المكان والزمان بمثلها. تردد أن محفوظ لم يك راغبا في أن تنشر أعماله الأولي ورقيا, رغم أني لم أجد دليلا علي ذلك في أي مكان وفي العدد الخاص الذي أصدرته الهلال في فبراير1970, عندما كان الناقد الكبير رجاء النقاش رئيسا لتحرير الهلال وأصدر ذلك العدد التاريخي عنه, أو في قصة حياته التي أشرف عليها رجاء النقاش ونشرتها الأهرام. أرجو من أسرته الكريمة السماح بنشر تلك الأعمال ورقيا لأنها جزء هام من حياته الحافلة, ولأن كل العظماء لهم فكر منشور في مراحلهم الأولي. استرعي انتباهي في هذا العدد من الهلال سؤال مهم موجه للأستاذ نجيب محفوظ من الأستاذ الكبير أنيس منصور: عزيزي الأستاذ نجيب محفوظ, أنت رجل مقتدر علي معظم الأشكال الأدبية, سدت الرواية وتفوقت في القصة ومارست المسرحية, فلماذا لم تجرب كتابة المقال وهو من أهم الأشكال الأدبية وأصرحها للتعبير عن الرأي؟. أجاب محفوظ قائلا: لقد بدأت حياتي بكتابة المقال, كتبت بصفة متواصلة فيما بين عامي1928-1936, مقالات في الفلسفة والأدب في المجلة الجديدة والمعرفة والجهاد اليومي وكوكب الشرق. ثم اهتديت الي وسيلتي التعبيرية المفضلة وهي القصة والرواية. ولو كنت صحفيا لواصلت كتابة المقال الي جانب القصة والرواية, ولكني كنت وما زلت موظفا, فلم يكن شيء يرجعني الي المقال إلا ضرورة ملحة يضيق عنها التعبير القصصي, وأعترف لك بأن هذه الضرورة لم توجد بعد. استرعي انتباهي ذلك السؤال والإجابة عليه وقطعت علي نفسي عهدا أن أستخدم كل قدراتي البحثية للتنقيب وجمع تلك الكتابات الأولي واستخراجها من مناجم الثقافة المصرية المتراكمة والرفيعة وتوفيرها للقراء والباحثين, وتم نشرها في دار الشروق إليكترونيا علي موقع الأديب العالمي في مارس2007: الكتابات الأولي النادرة هذه الكتابات الأولي تضم26 مقالا أدبيا وفلسفيا,22 قصة قصيرة لا بد من الرجوع إليها لفهم نجيب محفوظ فهما كاملا شاملا. المهم فيها أنها نتاج الشباب وفورته وثورته, وأنها البدايات القوية لأديبنا العظيم, وأنها القدوة والنموذج الذي يجب أن يحتذي به أي كاتب شاب يبدأ حياته, فيقارن قدراته ونفسه مع قدرات وموهبة نجيب محفوظ فيجد أنه يتعين عليه بذل مجهودات أكثر وأخذ الأمر بجدية أكثرلكي يحقق أهدافه, ويصقل قدراته. هذه الأعمال الهامة هي مجمل مانشره محفوظ قبل نشر مجموعته القصصية الأولي همس الجنون في عام1938, ومن هنا تكمن أهميتها في تاريخ أدب نجيب محفوظ كونها نتاج سنوات لا يجب غيابها أو إهمالها. هذه قائمة المقالات الموجودة علي موقع دار الشروق:www.shorouk.com 1- احتضار معتقدات وتولد معتقدات, المجلة الجديدة, العدد12, السنة الأولي, الصفحة1468-5,1470 أكتوبر.1930 2- تطور الفلسفة الي ما قبل عهد سقراط, المعرفة, الجزء الرابع, السنة الأولي, الصفحة438-440, أول أغسطس.1931 3- فلسفة سقراط, المعرفة, الجزء السادس, السنة الأولي, الصفحة703-705, أول أكتوبر.1931 4- أفلاطون وفلسفته المعرفة, الجزء السابع, الصفحة851-856, أول نوفمبر.1931 5- الخال فانيا, المعرفة الجزء الثاني, السنة الثالثة, الصفحة222-226, يونيو.1933 6- ثلاثة من أدبائنا, المجلة الجديدة, العدد2, السنة الثالثة, فبراير1934, الصفحة65-.67 7- الحب والغريزة الجنسية, المجلة الجديدة, العدد2, السنة الثالثة, مارس1934, الصفحة40-.42 8- فلسفة برجسون, المجلة الجديدة, العدد8, السنة الثالثة, أغسطس1934, الصفحة55-.56 9- البراجمتزم أو الفلسفة العلمية, المجلة الجديدة, العدد9, السنة الثالثة, سبتمبر1934, الصفحة47-.48 10- المجتمع والرقي البشري, المجلة الجديدة, العدد11, السنة الثالثة, نوفمبر1934, الصفحة60-62, نوفمبر1934 11- الشخصية, المجلة الجديدة, العدد2, السنة الثالثة, ديسمبر1934, الصفحة77-80 12- الفلسفة عند الفلاسفة, المجلة الجديدة, العدد1, السنة الرابعة, يناير1935, الصفحة9-.12 13- ماذا تعني الفلسفة؟, المجلة الجديدة, العدد8, السنة الرابعة, فبراير1935, الصفحة37-.42 14- السيكولوجية وإتجاهاتها القديمة والحديثة, المجلة الجديدة, العدد3, السنة الرابعة, مارس1935, الصفحة36-.41 15- الحواس والإدراك, المجلة الجديدة, العدد5, السنة الرابعة, أبريل1935, الصفحة17-.22 16- الحياة الحيوانية السيكولوجية, المجلة الجديدة, العدد4, السنة الرابعة, مايو1935, الصفحة32-37 17- الشعور, المجلة الجديدة, العدد6, السنة الرابعة, يونيو1935, الصفحة22-.27 18- نظريات العقل, المجلة الجديدة, العدد7, السنة الرابعة, يوليو1935, الصفحة58-.64 19- اللغة, المجلة الجديدة, العدد8, السنة الرابعة, أغسطس1935, الصفحة65-.71 20- الله, المجلة الجديدة, العدد1, السنة الخامسة, يناير1936, الصفحة43-48. 21- فكرة الله في الفلسفة, المجلة الجديدة, العدد3, السنة الخامسة, مارس1936, الصفحة32-.34 22- الفن والثقافة, المجلة الجديدة, العدد8, السنة الخامسة, أغسطس1936, الصفحة46-48 تفرغ نجيب محفوظ بعد ذلك لكتابة الرواية فنشر همس الجنون عام1938, وعبث الأقدارفي1939, ورادوبيس,1943, القاهرة الجديدة, رواية,1945, خان الخليلي, رواية,.1946 الي جانب ذلك كتب نجيب محفوظ ثلاث مقالات نادرة هامة ايضا هي: 23- ليلة الغارة, الثقافة, العدد162, السنة الرابعة, فبراير1942, الصفحة164-.166 24- كتاب التصوير الفني في القرآن, الرسالة, العدد616, السنة الثانية عشرة,23 أبريل1945, الصفحة432-.433 25- ترجمة كتاب, الرسالة, العدد631, السنة الثالثة عشرة,6 أغسطس1945, الصفحة850-.853 26- القصة عند العقاد, الرسالة, العدد635, السنة الثالثة عشرة,3 سبتمبر1945, الصفحة952-.953 تكمن أهمية تلك المقالات في أن محفوظ كان متمكنا من الفلسفة ونظرياتها ومفاهيمها المختلفة, وربما يكون هذا هو الأساس والعامل المهم في تفرده وتميزه الأدبي محليا وعالميا, وكأنه دخل حديقة الأدب من باب الحكمة. كانت مقالته: ثلاثة من أدبائنا عن العقاد وطه حسين وسلامة موسي: يقول عن العقاد فيها: العقاد هو رجل البداهة ونقصد بالبداهة الفطرة البصيرة أو الإحساس الصادق أو الطبع السليم, ونقصد بذلك تلك الموهبة الطبيعية التي تنفذ إلي الحقائق فتعرف ماهياتها, وهي درجة من الكمال يبلغها الصوفي بالاجتهاد ويحرزها الفنان بفطرته وطبعه, وإذا أردت أن تتحقق مما نقول فاقرأ شعر العقاد.. والعقاد في نظرنا شاعر فنان قبل كل شيء فمن أهم مميزاته أنه ليس قشورا سطحية, وليس نغما لفظيا, وإنما هو معني عميق تذوقه وتحسه, وتعرف فيه روحا حيا يكاد يتحرك ويتغير كلما راجعته, وهذه خواص النفس التي يعجز العقل والذكاء عن أن يلج بابها والتي تنفذ اليها البصمة الحساسة المرهفة فتلتقطها بما فيها من حياة وغموض. وأثر الفطرة السليمة يظهر فيما يدعو إليه العقاد من تجديد الشعر والأدب. والتجديد عند العقاد ليس هو الجديد عند غيره فنحن نفهم من التجديد عادة أنه الدعوة لمذهب جديد علي حساب مذهب قديم, كالدعوة إلي الرياليزم أو الايدياليزوم وهكذا ولكن العقاد لايدعو إلي مذهب خاص وإنما يثور علي التقليد والفناء في الغير ويدعو إلي تحرير العقل والشعور اعقل بعقلك واشعر بشعورك ومثل هذا المبدأ يتناقض مع الدعوة إلي مذهب معين, لان الدعوة إلي مذهب معين هي نوع من التقليد, وأنك إذا قلدت العقاد فلست من أتباع العقاد! وهذا الرأي يجعل من الفن حياة كهذه الحياة المتجددة المتغيرة المطردة السير إلي الامام, والعقاد يسمو بالأدب إلي الذروة من الكمال والتبجيل وهذا طبيعي, لان ملكته ملكة المتصوف وكيف تطلب من المتصوف ألا يبجل معبوده الذي يوحي إليه بأسرار الغيب. كان محفوظ في الثالثة والعشرين من عمره عندما كتب هذه المراجعة الرائعة الأصيلة والتي شخص فيها الثلاثة الكبار حينها بدقة. ورغم ذلك نجد أن الأمر إعتوره الاختلاف في آخر مقالة له والتي نشرتها الرسالة في عددها635 الصادر في3 سبتمبر1945, الصفحة952-953, لم يكن مرد الاختلاف تغير في وجهة نظر محفوظ في العقاد, ولكن نتيجة هجوم العقاد العنيف علي الرواية وفنها وأدبها, مما جعل محفوظ الروائي يرد بقوة. والحكاية كالآتي: في عام1945 نشر العقاد كتابا اسمه عاما بعنوان في بيتي, ناقش فيه العقاد كثيرا من الأمور مثل الأدب والفلسفة والحياة والعلم والحكمة وكل شيء تقريبا, وقارن فيه بين الشعر والقصة, وأكد أن الشعر أنفس من القصة لأن الشعر من شأنه أن يجمع المعني الكثير في اللفظ القليل, وأن قليل الشعر يحتوي من الثروة الشعورية ما ليست تحتويه الصفحات المطولات من الروايات, وأن قنطارا من القصة يساوي درهما من الشعر, وأن القصة في معدنها دون الشعر في معدنه, لأن النفاسة أن يساوي الشيء القليل ما يساويه الشيء الكثير. وأضاف العقاد: لا أقرأ القصة حيث يسعني أن أقرأ كتابا أو ديوان شعر, ولست أحسبها من خيرة ثمار العقول. أثار كلام العقاد ذلك العديدين حينها, وكان من بينهم نجيب محفوظ الذي رد علي العقاد في نفس العدد بالمقال المذكورة أعلاه: القصة عند العقاد, في نفس عدد الرسالة, قال في رده علي العقاد, ضمن ما قال: الفن- أيا كان لونه وأيا كانت أداته- تعبير عن الحياة الإنسانية, فهدفه واحد وإن اختلفت كيفية التعبير تبعا لاختلاف الأداة, وكل فن في ميدانه السيد الذي لا يباري... ولن يفيد الفن شيئا من تحقيره بعض أنواعه إلا أن يغضب قوما أبرياء يحبون الحق كما يحبه ويولعون بالجمال كما يولع به, ويبذلون في سبيل التعبير عنه كل ما في طاقتهم من قدرة وحب. في هذه القضية رأيت العقاد الخصوم يتغلب علي العقاد الناقد. انظر إليه وقد لاحظ أحد حواريوه في بيته أن العقاد قد صغر نصيب القصص من مكتبته, فأجابه العقاد قائلا: لا أقرأ قصة حيث يسعني أن أقرأ كتابا أو ديوان شعر, ولست أحسبها من خيرة ثمرات العقول... فالرجل الذي لا يقرأ قصة حيث يفضل أن يقرأ كتابا أو ديوان شعر ليس بالحكم النزيه الذي يقضي في قضية القصة, والرجل الذي يلاحظ علي مكتبته صغر نصيبها من القصة ينبغي أن تكون القصة آخر ما يرجع إليه في حكم يتصل بها, لأن النقد ميزان لتقييم الفنون, فكيف يفضل الناقد أحدها علي أحدها؟, وهل تنزل القصة هذه المنزلة عند شخص إلا إذا كان لها كارها وعليها حاقدا!!فحكم العقاد علي القصة حكم مزاج وهوي لا حكم نقد وفلسفة. بعد هذا التراشق انقطع كلاهما من الكتابة في الرسالة رغم أنهما كانا دائمي الكتابة بها, عاد العقاد بعد شهر ولم يعد نجيب محفوظ إلا في الرسالة الجديدة, والتي صدرت بعد قفل الرسالة عام1953, ولم ينشر أي مقال في أي صحيفة أخري أو في أي مجلة, وكانت نهاية كتابته للمقال. هذه المعركة التاريخية الضارية حسمها محفوظ بامتناعه عن الكتابة قسرا أو باختياره, تسببت في حرمان الإنسانية جمعاء من مقالاته وهو في أوجه. القارئ يمكنه أن يستنتج ويتكهن بما حدث. من الواضح أن محفوظ آثر الانسحاب من معركة كان يري فيها أنها قد تضير العقاد الذي كان يحبه ويجله, وأدرك بحكمته المعهودة أنها معركة الكل خاسر فيها. الي جانب مقالاته النادرة, توجد22 قصة قصيرة نادرة جديرة بالبحث والاستقراء, كونها تمثل مرحلة هامة من مراحل تطور القصة عند محفوظ, هذه قائمة بتلك القصص القصيرة: 1- خيانة في رسائل, الرواية, العدد12, السنة الأولي, يوليو1937, الصفحة721-.727 2- مهر الوظيفة, الرسالة, العدد9,214 أغسطس1937, السنة الخامسة, الصفحة1312-1314 3- المرض المتبادل, الرواية, العدد16, السنة الأولي, سبتمبر1937, الصفحة982-.986 4- الدهر المعلم, الرواية, العدد24, السنة الأولي,5 يناير1938, الصفحة1519-.1528 5- أول أبريل, الرواية, العدد25, السنة الثانية, أول فبراير1938, الصفحة31-.40 6- أحزان الطفولة, الرواية, العدد35, السنة الثانية, أول يوليو1938, الصفحة581-.584 7- حكمة الموت, الرواية, العدد38, السنة الثانية, أغسطس1938, الصفحة761-.766 8- موت الحب, الرواية, العدد39, السنة الثانية, أول سبتمبر1938, الصفحة816-.822 9- فتاة العصر, الرواية, العدد43, السنة الثانية, أول موفمبر1938, الصفحة1055-1064 10- عفو الملك أسر كاف, الرواية, العدد45, السنة الثانية, أول ديسمبر1938, الصفحة1152-.1157 11- روض الفرج, الرواية العدد46, السنة الثانية,15 ديسمبر1938, الصفحة1204-.1211 12- الزيف, الرواية, العدد47, السنة الثانية, أول يناير1939, الصفحة1242-.1249 13- الأرجواز المحزن, العدد49, السنة الثالثة, فبراير1939, الصفحة72-.78 14- الكرة, الرواية, العدد51, السنة الثالثة, أول مارس1939, الصفحة170-178 15- الرجل الذي لا يقاوم, الرسالة, العدد363, السنة الثامنة,17 يونيو1940, صفحة1033-.1036 16- الحب والسحر, الرسالة, العدد393, السنة التاسعة,13 يناير.1941 17- عودة سنوهي, الثقافة, العدد133, السنة الثالثة, يوليو1941, الصفحة916-.919 18- بعد عشرة أعوام, الثقافة, العدد155, السنة الثالثة, ديسمبر1941, صفحة1619-.1622 19- سرقة بغير سارق, الثقافة, العدد182, السنة الرابعة, يونيو1942, الصفحة726-728 20- حضرة رءوف أفندي, الثقافة, العدد190, السنة الرابعة, أغسطس1942, الصفحة921-.924 21- عمي حسن, الرسالة, العدد566, السنة الثانية عشرة,8 مايو1944, الصفحة399-.400 22- حزن وسرور,634, السنة الثالثة عشرة,27 أغسطس1945, الصفحة933-.935 هذه ثمان وأربعون جوهرة مكنونة من كنوز ثقافة مصر الرفيعة المتراكمة. رحم الله نجيب محفوظ رحمة واسعة في ذكراه العطرة العاشرة.