لعلكم تتذكرون خالد بن محسن الشاعري, السعودي الذي كان يزن610 كيلجراما وكان يعجز عن التحرك فتم نقله من ولاية جزان جنوب المملكة العربية سعودية إلي العاصمة الرياض ليخضع إلي علاج عام2013; وبعد العلاج, خفض وزنه ليصل إلي120 كيلوجراما. خالد ليس إلا مثال واحد من أصل الآلاف في المنطقة العربية وتحديدا في دول الخليج الذين يعانون من البدانة المفرطة التي تحولت إلي مشكلة صحية حقيقية ومرض مزمن يتربص بالكبار والصغار علي حد سواء. ولكن لنبدأ بتعريف للبدانة المفرطة تحديدا التعريف الذي اعتمدته منظمة الصحة العالمية التي اعتبرت زيادة الوزن والسمنة بأنهما تراكم غير طبيعي أو مفرط للدهون قد يلحق ضررا بالصحة حيث أن مؤشر كتلة الجسم الذي يساوي25 أو أكثر يعني زيادة الوزن ومتي تخطي ال30 أو أكثر يعني البدانة المفرطة. ولا بد من الإشارة إلي أن مؤشر كتلة الجسم هو مؤشر بسيط لقياس الوزن إلي الطول يشيع استخدامه لتصنيف زيادة الوزن والسمنة لدي البالغين. وهو يعرف بأنه وزن الشخص بالكيلوجرام مقسوم علي مربع طوله بالمتر( كج/م). أرقام وإحصائيات مقلقة كثيرة هي الأرقام والدراسات حول البدانة المفرطة التي أجريت في السنوات الأخيرة لاسيما بسبب زيادة الوعي حول هذا المرض الذي يضر بصحة الملايين ويودي بحياة الآلاف. وبحسب بعض أرقام منظمة الصحة العالمية, ارتفعت البدانة المفرطة في العالم بأكثر من الضعف منذ عام.1980 فعام2014, أكثر من9,1 مليار بالغ كانوا زائدي الوزن وأكثر من600 مليون منهم كانوا مصابين بالبدانة المفطرة. أما بالنسبة للأطفال, فكان42 مليون طفل دون سن الخامسة زائدي الوزن أو مصابين بالسمنة عام.2013 وإذا أردنا التركيز علي دول مجلس التعاون الخليجي, كشف مؤشر أمن الغذاء العالمي لعام2016 مقارنة بين عامي2010 و2014 في هذه الدول حول زيادة معدل البدانة المفرطة فيها. فسجلت البحرين نسبة1,35% من البدانة عام2014 مقارنة ب5,32% عام2010 والكويت7,39% عام2014 مقارنة ب8,36% عام2010 وسلطنة عمان9,30% مقارنة ب4,28%, وقطر3,42% مقارنة ب1,38% في حين أن المملكة العربية السعودية سجلت7,34% عام2014 مقارنة ب32% عام2010 فيما ازدادت النسبة في الإمارات العربية المتحدة من5,34% إلي2,37%. ما الذي يجعل شخصا بدينا؟ تعتبر أسباب البدانة المفرطة كثيرة ويبقي أبرزها اختلال التوازن بين السعرات الحرارية التي تدخل الجسم والسعرات الحرارية التي يحرقها إضافة إلي زيادة مدخول الأغذية الكثيفة الطاقة والغنية بالدهون وزيادة الخمول البدني بسبب عدم القيام بالحركة نتيجة لطبيعة العمل ووسائل النقل المتغيرة وارتفاع نسبة العمران الحضري. كما يري د. هوبرت بنينكس, أخصائي علم الغدد والسكري في المستشفي الأمريكي في دبي إذا كان أحد الوالدين بدينا, فإن خطر إصابة الأولاد مضاعف في حين أنه إذا كان الوالدين يعانيان من البدانة المفطرة فالخطر كبير جدا مضيفا أنه لا شك أن العوامل الجينية تلعب أحيانا دورا إلا أن أساليب الأكل لها دور مهم أيضا. ولا شك أن البدانة المفرطة قد ارتفعت بمعدلات مقلقة في العقدين الأخيرين لاسيما عند النساء. وقد تم تسجيل أعلي المعدلات في الدول التي تشهد تطورا صناعيا; تطور مرتبط في دول الخليج بزيادة ملحوظة للدخل مما انعكس بتغيير أساليب العيش علي غرار زيادة مطاعم الوجبات السريعة التي تتميز بقيمة غذائية قليلة وسهولة الحصول علي السيارات وارتفاع شعبية الأغذية المصنعة إضافة إلي الاستهلاك المفرط لهذه المأكولات الغنية بالدهون والملح مقابل شبه غياب لممارسة الرياضة. وتشكل البدانة المفرطة عاملا رئيسيا في الإصابة بالعديد من الأمراض كأمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري والاضطرابات العضلية الهيكلية وبعض أنواع مرض السرطان كسرطان الغشاء المبطن للرحم وسرطان الثدي وسرطان القولون. ويعاني الأطفال المصابون بالسمنة من صعوبات في التنفس وزيادة مخاطر إصابتهم بكسور وضغط الدم المرتفع إضافة إلي علامات مبكرة لأمراض القلب والأوعية الدموية ومقاومة الأنسولين والآثار النفسية. الإمارات: مثال حول خطوات مواجهة البدانة المفرطة علي الرغم من أن معدلات البدانة المفرطة ما زالت بارتفاع إلا أن الدول وتحديدا الدول الخليجية قد بدأت تدرك خطورة هذه الآفة التي تضرب مجتمعاتها وتسعي إلي اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل الحد من تداعياتها. ويخبرنا د. حسين عبد الرحمن الرند, وكيل وزارة الصحة المساعد لقطاع المراكز الصحية والعيادات أن وزارة الصحة في الإمارات طورت مجموعة من البرامج لمواجهة عوامل البدانة. ويشرح قائلا أطلقنا حملة إعلامية واسعة بداية هذا العام بعنوان صحتك تأتي أولا بهدف تثقيف الناس في المجتمع حول اعتماد نمط حياة صحي بفضل عادات غذائية صحية والانخراط في النشاط البدني والتوقف عن التدخين. ويتابع قائلا مبادرة المطعم الصحي تم إطلاقها للترويج لبيئة صحية حيث شاركت المطاعم في هذه المبادرة والتزمت بمعايير حددتها الوزارة في ما يتعلق بتوفير خيارات وجبات صحية بمتناول اليد مقابل أن تنال هذه المطاعم الاعتماد بأنها صحية من قبل الوزارة. أما في ما يتعلق بالبدانة المفرطة لدي الأطفال, فيشير د. الرند إلي أن الوزارة طورت مجموعة واسعة من المشاريع من بينها إطلاق حل ابتكاري هو تطبيق علي الهواتف المحمولة الذكية أبطال الصحة الذي سيروج لأسلوب حياة صحي لدي الأطفال من خلال عدد من الألعاب التفاعلية والتثقيفية. كما يخبرنا د.الرند أنه, عام2015, تم افتتاح مركزين للرعاية الصحية في الفجيرة والذيد في الشارقة من أجل معالجة البدانة المفرطة في الرعاية الصحية الأولية حيث يقوم فريق من المرشدين الصحيين وأخصائيي التغذية بتشجيع الأفراد الذين يعانون من وزن زائد أو بدانة مفرطة في اعتماد نمط حياة صحي. هل من حلول سحرية؟ يري د. الرند أن البدانة المفرطة ليس لها حل واحد بل أن الطريقة المثلي هي مواجهتها بفضل مقاربة متعددة الأوجه. ويعتبر أن أحد أبرز الحلول هو البعد التربوي حيث يجب تثقيف الأفراد حول البدانة المفرطة وأسبابها من خلال برامج وحملات إعلامية وغيرها. وهنا يري د. بنينكس أنه لا بد من تثقيف الأهل أولا لاسيما إن كانوا يعانون من البدانة المفرطة بضرورة تغيير نمط حياتهم أي أن يأكلوا بشكل أقل وصحي. وبالتالي, يشكلون مثالا يحتذي به أولادهم منذ صغرهم. ويضيف د. بنينكس يجدر بالمدارس أن تحظر كل المأكولات والمشروبات المضرة بالصحة أي أن لا تكون المشروبات الغازية متوفرة وأن لا يتم بيع رقائق البطاطا المقلية. مضيفا لا بد أن تدرج المدارس في منهجها دروسا وامتحانات إلزامية حول طبخ المأكولات المنخفضة السعرات الحرارية. من جهته, يضيف د. الرند أن أحد الحلول يكمن أيضا في صياغة السياسات لتشجيع السلوكيات الصحية إضافة إلي إبرام الشراكات لتوفير مساحات آمنة للنشاطات الرياضية والوجبات الصحية في الأماكن العامة وتشجيع المدارس للمشاركة في الوقاية من بدانة الأطفال المفرطة. ماذا بعد؟ لا شك أن كل طيات المجتمع مسؤولة عن العمل للحد والوقاية من السمنة الفائضة التي تحولت إلي مرض العصر من الأهل إلي المدارس فالقطاع العام والخاص. وكانت منظمة الصحة العالمية قد صاغت مبادئ توجيهية وتوصيات حول سياسات لمواجهة البدانة علي غرار حظر الحملات التسويقية للمأكولات والمشروبات غير الصحية للأطفال وتقليص معدل السكر في المشروبات المحلاة. قد تكون أول الدول التي شرعت قانونا ضد البدانة الزائدة هي التشيلي التي بدأت تنفيذه في يونيو/حزيران الماضي من أجل حظر مجموعة من المنتجات الغذائية الرائجة لدي صغار السن. وعلي غرار الإمارات العربية المتحدة, تتجه العديد من الدول الخليجية لاعتماد استراتيجيات وإطلاق مبادرات من أجل مواجهة هذه الظاهرة الصحية. فأطلقت المملكة العربية السعودية, علي سبيل المثال, مطلع هذا العام, ضمن مبادرة يدا بيد نبني يومنا والغد أضخم برنامج وطني صحي لعلاج السمنة بعنوان السمنة الشبح الصامت بغية علاج مرض السمنة ومساعدة المصابين بالوصول إلي وزن طبيعي آمن وتسليط الضوء علي مدي التقدم الطبي والرياضي في المملكة وتوعية وتعريف المجتمع بالجهات المتخصصة بعلاج السمنة. وكانت دول الخليج, قد اتجهت مجتمعة نحو تعميم منع المشروبات الغازية والوجبات السريعة والحلويات في المستشفيات وحتي دعت إلي رفع الضريبة علي المشروبات الغازية ل100% إضافة إلي تطوير برامج التدخل الغذائي, وتوحيد الجهود والأهداف وإطلاق برامج تعليمية بغية الارتقاء بالصحة الغذائية الخليجية. دول الخليج والعالم قد دقت ناقوس خطر البدانة المفرطة وبدأت العمل لمواجهة هذا المرض إلا أن الطريق ما زالت طويلة لخفض معدلات السمنة المفرطة, ولا بد من تكثيف الجهود واتخاذ خطوات جذرية لتتخلص دول الخليج من البدانة المفرطة. متخصصة في الثقافة والقضايا الاجتماعية