في الوقت الذي تحارب فيه مصر الإرهاب للحفاظ علي أمن واستقرار الوطن لا يزال سوس الفساد ينخر في جسده بلا رحمة أو هوادة ليفت في عضده وينهك من قواه ويستنفد طاقاته كمرض عضال بات من الضروري علاجه علاجا سريعا شافيا واستئصاله من جذوره قبل أن يأتي علي ما تبقي من الأخضر واليابس في الوطن الكليم. إن النهضة والتنمية لن يتحققا ولن يؤتيا ثمارهما المرجوة قبل القضاء علي هذا الوباء المتفشي في الجهاز الإداري للدولة والذي أصبح سمة أساسية من سمات غالبية موظفيه أضرت بمصالح الوطن ويكدر حياة مواطنيه اليومية سواء في المصالح الحكومية أو الشارع.. فلا تكاد تخلو مصلحة حكومية من موظف مرتش حتي وإن كانت الرشوة حفنة قليلة من الجنيهات لقضاء مصلحة ما لأي من المواطنين بالرغم من أن هذا الموظف يتقاضي راتبا من الدولة مقابل أداء هذه الوظيفة بكل متطلباتها.. ولا يكاد يخلو شارع في مصر من مظاهر الفساد المتباينة والمتعددة بدءا من التعديات ومرورا بالأكشاك والمحال المخالفة التي يتم افتتاحها وإقامتها بدون تراخيص وانتهاء بالقمامة المنتشرة في جميع الأحياء والمناطق بلا استثناء والتي يلقيها موظفو البلدية أنفسهم علي أرصفة الشوارع بلا مبالاة متناهية ليقينهم المطلق أن ما من مسئول سيحاسبهم علي هذه الجريمة الشنعاء في حق الوطن ومواطنيه. إن الفساد لهو وجه قبيح من وجوه خيانة الوطن الكثيرة بل قد يكون أشدهم فتكا به بعد التخابر والتجسس.. فالجاسوس يبيع الوطن لأعدائه من الخارج والفاسد يبيع ضميره ليحقق مصالح شخصية علي حساب تنمية وتقدم الوطن.. ففي الوقت الذي تبذل مؤسسة الرئاسة فيه قصاري جهدها لتطوير العشوائيات ونقل سكانها إلي مدن ومنازل جديدة وفي الوقت الذي يبذل فيه المواطنون كل غال وثمين لدعم الوطن وإعادة بنائه من جديد يخلق لنا الفساد عشوائيات جديدة في كل مكان في مصر.. فالمحليات في مصر هي من أكثر المؤسسات فسادا علي الإطلاق ومن أكثرهم تأثيرا علي الحياة اليومية للمواطنين تأثيرا سلبيا هداما.. فلا يكاد يخلو حي من الأحياء من مسئولين فاسدين يغضون الطرف عن كل ما هو مخالف للقانون مقابل ما يتقاضونه من أموال ممن ينتهكون شوارعنا بتعدياتهم الصارخة ويهددون أمننا واستقرارنا في تحد سافر للدولة وكأن ما من قانون يحاسبهم وما من دولة تردعهم. إن العشوائية التي باتت تزحف علي حياتنا سببها هذا الفساد الذي أصبح يخيم علي حياتنا ويجثم علي صدورنا ويغتال أحلامنا جميعا في أن يعود للشارع المصري جماله ورقيه الذي كان منذ عهود طويلة.. فالفساد في حد ذاته مؤامرة علي الوطن تحول بين المواطنين وبين الحياة التي يأملونها وتعيق التنمية التي ننشدها جميعا وتحيل حياة المصريين إلي جحيم دائم.. إن الفساد لا ينحصر فقط في مسئول كبير تقاضي رشوة أو استولي علي أراض للدولة دون وجه حق وإنما يشمل أيضا كل موظف بلدية استباح شوارعنا وحولها لمقالب قمامة تهدد صحتنا وصحة أبنائنا وتشوه كل ما هو جميل في أعيننا وتقضي علي ما تبقي لنا من أحلام بوطن يحظي فيه المواطن بحقه في أن يعيش علي الأقل في شارع خال من القمامة التي تزكم الأنوف وتنشر الأمراض بين ساكنيه.. ولن تتمكن الدولة من تحقيق أهدافها في التنمية والتقدم إلا بالقضاء علي سرطان الفساد أولا من خلال تطبيق القوانين الرادعة والصارمة علي جميع الفاسدين بلا استثناء أو تمييز بين مسئول كبير وموظف صغير.