في رائعة شيكسبير يوليوس قيصر خطب مارك انتوني في الحشود بعد مقتل قيصر بيد بروتس; وبكلمات, مجرد كلمات, استطاع تغيير الوضع تماما, ويتحول الحشد من متعاطف مع بروتس الي مناهض له. في دقائق معدودة وكلمات معدودة استطاع انتوني كسب تعاطف المستمعين, دون أن يهاجم بروتس أو يدينه أقنع مارك أنتوني الحشد ان بروتس كاذب وأن يوليوس قيصر لم يستحق أن يقتل. لقد أستطاع مارك انتوني التعامل مع الكلمات لكي تصبح أداة في يده يطوعها كما يريد وبها يتحكم في عواطف الحشود. وفي الأسبوع الماضي أستمعنا الي أكثر من خطاب رئاسي من الولاياتالمتحدة في مؤتمر الحزبين الرئيسيين, الجمهوري والديمقراطي, لاختيار مرشح كل منهما للانتخابات الرئاسية; في المؤتمر استخدم السياسيون وغير السياسيين الكلمات لكي يقنعوا الحشود بمواقفهم وآرائهم, بعض تلك الكلمات أدت الي تفريق الحشود, والبعض الآخر بالعكس جمع ووحد. كانت كلمات دونالد ترامب عنيفة, تحمل الكثير من الكراهية ضد كل من هو ضده, من مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون, الي المهاجرين الي المتطرفين; وكانت تحمل الكثير من الذاتية: أنا أعرف كيف يعمل النظام, وبالتالي أنا وحدي الذي يستطيع أن يتعامل معه;; كانت رسالة ترامب الي الشعب الأمريكي هي نفسها الرسالة التي يرسلها كل حاكم مستبد فتحدث عن المخاطر المحدقة بالبلاد سواء كانت تلك المخاطر قادمة من الخارج أو من الداخل, فتحدث عن الإرهاب وعن العنف ضد الشرطة; ولذا كانت رسالته: يجب أن تشعر بالخوف, وبالتالي: أنا الوحيد الذي سوف يحميك منها; وسوف يتحقق ذلك, ليس خلال فترة ولايته ولا خلال عام ولكن مباشرة بعد أن يحلف اليمين في20 يناير المقبل. هاجم ترامب غريمته كلينتون بالاسم مرات عديدة, تركز خطابه علي السلبيات أكثر من الإيجابيات. فتحدث في خطابه عن أخطاء الآخرين, بدءا من الرئيس الأسبق بيل كلينتون وحتي المرشحة المقبلة للحزب الديمقراطي; ولكي يفوز بالرئاسة فإن عليه أن يعطي صورة مخيفة لما يحدث في الولاياتالمتحدة اليوم حيث يهيم في الشوارع180 الف مهاجر غير شرعي يحملون أوراقا تؤكد تاريخهم الإجرامي, أما في الخارج فالدول كلها من فرنسا الي ايران مرورا بليبيا ومصر وسوريا, تعاني الإرهاب, وهي كلها الإرث الذي انتقل من الرؤساء السابقين. ولحماية الشعب تعهد ترامب ببناء الأسوار علي حدود البلاد لتحميها من المهاجرين غير الشرعيين. بعد خطاب ترامب بعدة أيام عقد الحزب الديمقراطي مؤتمره لاختيار مرشحته كلينتون في الانتخابات الرئاسية, وفي المؤتمر ألقت السيدة الأولي, ميشيل أوباما, خطابا أكد الجميع أنه سوف يسجل في التاريخ كأفضل خطاب ألقي في مؤتمر حزبي; فقد تحدثت ميشيل أوباما عن الأطفال والمستقبل, عن المهمشين مثل المرأة والسود والأمل الذي يمثله أوباما للسود وهيلاري كلينتون للمرأة التي أصبحت لأول مرة مرشحة قوية للرئاسة. هاجمت ميشيل أوباما ترامب وخطابه, ولكن دون ذكر اسمه مرة واحدة, ودعت الجميع ألا يصدقوا من يقول لهم إنه سوف يجعل أمريكا قوية مرة أخري, لأن أمريكا حسب قولها, هي بالفعل أعظم دولة في العالم. لم تتحدث ميشيل عن السلبيات, ولكن عن الإيجابيات, ولم تتحدث عن الماضي ولكن عن المستقبل. كما كان لخطاب مارك أنتوني قوة الإقناع والتغيير, كان لخطاب ترامب قوة الفرقة بين الشعب الواحد وبين أعضاء الحزب الواحد; وكان لخطاب ميشيل أوباما من توحيد الحزب الديمقراطي حول كلينتون بعد أن كان منقسما. إنها الكلمة بكل ما فيها من سحر وقوة.