لكل منا ميزان يزن عليه معاملة الناس له, ويأبي أن تقل معاملاتهم عن المقدار الذي حدده ورسمه لنفسه ولهم, ويطالبهم دائما بأن ينصاعوا للقدر الذي منحه لنفسه, ولا يبخسوه حقه أو ينالوا منه, ولا توجد أية مشكلة في ذلك, ولكن المهم أن يكون ميزانه عادلا, أي يعطي نفسه حقها بلا زيادة أو نقصان, ولكن ما لا يدركه الكثيرون أن الميزان الذي يصنعونه لأنفسهم لابد أن يعاملوا الناس به; لأن البشر بطبيعتهم لا يعاملوننا فقط علي قدر ما نستحقه, ولكن أيضا, هناك جانب آخر يعاملوننا علي أساسه, وهو القدر الذي نعاملهم به, فهم يطالبوننا أيضا بأن نعطيهم حقهم ولا نبخسهم أشياءهم, ولكن للأسف, كثير منا يكيل بمكيالين, فيمنح لنفسه النصيب الأكبر ويقلل من الآخرين, لشعوره الدائم بأنه الأفضل وأنه يستحق أن ينحني الآخرون احتراما له, بينما لا يطالب هو بأن يتنازل عن أي شيء في سبيل الغير, وعندما يعامله الناس بذات أسلوبه يأبي ويتذمر, وربما يندهش, ولكنه إذا عاد إلي نفسه سيكتشف أنه بخس الآخرين حقوقهم, ونال منهم ولم يعاملهم بما يستحقونه, فهو يطالبهم بما يرفض أن يطالب به نفسه, ويستنكر عليهم ما يطالبهم به لنفسه. فأذكر أنه كان هناك رجل فقير يعيش مع زوجته في كوخ صغير, وقد اعتادت زوجته أن تصنع الزبدة علي شكل كرة يبلغ وزنها كيلو جراما واحدا, وكان الرجل يبيعها في المدينة لإحدي البقالات, ويشتري بثمنها حاجيات البيت من صاحب البقالة, وفي أحد الأيام شك صاحب المحل بالوزن, فقام بوزن كل كرة من كرات الزبدة, فوجدها900 جرام فقط, فغضب من الرجل الفقير, وعندما حضر في اليوم التالي قابله بغضب وقال له:لن أشتري منك مرة ثانية; لأنك غشاش, تبيعني الزبدة علي أنها تزن كيلو جراما واحدا, ولكنها أقل من الكيلو بمائة جرام, حينها حزن الرجل الفقير ونكس رأسه, ثم قال:نحن يا سيدي لا نملك ميزانا, ولكني اشتريت منك كيلو جراما من السكر, وجعلته لي مثقالا كي أزن به الزبدة!!. ولو أمعنا النظر في القصة التي جمعت بين هذين الرجلين, سندرك أن البقال أبي أن يغشه الرجل الفقير, في حين أنه ارتضي أن يبدأ هو بالغش, والذي لم يدركه هذا البقال أن الرجل وزن له الزبدة بذات الوزن الذي منحه له; أي أن الميزان الذي يعاملنا به الناس نكون نحن من أجزنا لهم معاملتنا علي أساسه, ولكننا لا ندرك ذلك, ودائما ما نرفض أو ربما يعترينا الاستياء والاندهاش في آن واحد من سوء معاملة البعض, أو عدم اكتراثهم بنا, ولا نكلف أنفسنا فرصة تقييم معاملتنا نحن لهم, وكأن هذا أمر مفروغ منه لن يقع تحت طائلة النقاش, فالشخص المتزن نفسيا وعقليا هو فقط من يعلم أن الحياة علاقة طردية, فهي تمنح لنا ما نمنحه لها وللآخرين, ونحن من نحدد الميزان, والآخرين يكيلوا عليه, أما من يخرج عن هذه القاعدة فلابد أن لا نأخذه مثالا أو أساسا, فعلينا تقبل فكرة المعاملة بالمثل, فنحن نبدأ مع الآخرين بالأسلوب الذي نطالبهم به في تعاملنا, وللأسف, هذا لابد أن ينطبق علي كل شيء في الحياة بدءا من تعامل الإنسان مع نفسه, انتهاء بتعامل الدول مع بعضها البعض, وعلينا أن نضع ميزانا عادلا يمنح كل ذي حق حقه, ولا يخرج عنه لأي سبب من الأسباب; حتي لا يختل ميزان الحياة.