حكي خطيب أحد المساجد الكبيرة ما حدث له عقب صلاة الجمعة الماضية قائلا: ما أن انتهيت من شعائر الصلاة وقبل أن يفرغ المسجد من المصلين إذا بمقيم الشعائر يهمس في أذني ثم يصطحبني إلي غرفة مكتبي لأرد علي المكالمة الهاتفية التي جاءتني علي الفور: * السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. - حرما ياشيخنا. * جمعا إن شاء الله.. من محدثي الفاضل الذي لم ينتظر حتي أختم صلاتي؟ - سامحنا يامولانا.. وعوضها لاحقا.. علي باب حجرتك الآن شخص بانتظارك تفضل بالمجئ معه إلي مقر الوزارة. * الآن.. ولماذا.. وما صفة هذا الشخص؟ - أنت حبيبنا ياشيخ ونتعامل معك بكل ود ومحبة.. لا تخف إنه أحد أعضاء فريق الضبطية القضائية بالوزارة. * وما التهمة؟ - تهمة إيه يا صاحب الفضيلة مثلك لا يتهم.. كلمتين نخدهم منك وتتوكل علي الله. * ألا يجوز أن تستفسر عما تريد هاتفيا لانني مرتبط بموعد مع رجال من أهل الحي دعوني للتوفيق في خلاف احتدم بين جارين من سكان المنطقة؟ - اعتذر لهم.. منتظرك نشرب فنجانا من القهوة.. وأعدك ستلحق بصلاة العصر في مسجدك ومع مريديك. حاولت أن أفهم من الذي أرسل في تقريرا وهو بين جموع المصلين ثم يقتادني الآن إلي قيادته العليا جهة التحقيق عن سبب هذه الرحلة المفاجئة ولكنه لم يرد ببنت شفة, وبعد أكثر من نصف ساعة دخل من استدعاني وتسبقه صيحات الترحاب,يعقبها نبرة غضب تليفونية تمثيلية فين قهوة مولانا؟.. أنا مش قلت تدخل لفضيلته فور مجيئه. * حصل خير ياباشا.. لا أشرب المنبهات.. جزاك الله خيرا. - أحسنت ياشيخنا فمضارها كثيرة ومشاكلها وخيمة, وتجاوزاتها أليمة. * ما هي؟ - خطبة الجمعة يا إمام. * وما علاقة خطبة الجمعة بما نحن فيه؟ - وهل ما نحن فيه إلا بسببها..المشايخ لا تمتثل, وكل منهم فاكر نفسه العلامة الأوحد, ومبدع زمانه,وفارس الخطابة وألمعي البلاغة ومتفرد المحسنات البديعية الذي لا يشق له غبار. * ماذا تقصد من وراء ما تقوله؟ - لا شئ يا خطيبنا المفوه. لا أسكت الله لك حسا ولا كمم لك فاها,..لم تزد عن الوقت المحدد لك سلفا لأداء شعائر صلاة الجمعة ثانية واحدة لدرجة أنك أوجزت في الدعاء وأسرعت في الركعتين فأنجزت مهمتك طبقا للتعليمات وكل هذا يحسب لك, والتزمت بموضوع الخطبة وتحدثت عن العفة باقتدار.. غير أنك خرجت عن النص, في مستهل الخطبة قلت ان شرالأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وقد نبهنا علي جميع الأئمة بعدم الحديث عن النار!..ثم دللت علي موضوع الخطبة كما أرسلنا لكم بحديث من ضمن لي ما بين لحييه ورجليه ضمنت له الجنة,غير إنك رحت تضيف من عندك حديث آخر اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة!. * أليس بحديث صحيح؟ - هذا لا يعنيني.. وليس مبررا.. الفيصل نص الخطبة المكتوبة.. ترتفع حدة الصوت ويقول بعصبية فين الورقة.. صعدت المنبر ولم تمسكها.. أنت موقوف ياشيخ عن العمل. * ياباشا ورقة إيه؟ وكيف أقرأ منها وأنا كفيف.. كفييييف..محروم من نعمة البصر يا من حرمتم من نعمة البصيرة. استيقظ الشيخ من نومه فزعا مهرولا ومتمتما أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. اللهم اجعله خيرا.. أعطني يا بنيتي العمامة والكاكولة لألحق بالجمعة.. وورقة بيضاء أمسكها في يدي وأنا فوق المنبر.. علي سبيل الاحتياط. [email protected]