في إطار محاولات فهم انقلاب الجيش التركي يوم الجمعة15 يوليو الماضي علي نظام حكم أردوغان, تتبدي علي السطح عبر تقارير واخبار الحدث المتداولة عالميا الكثير من السيناريوهات التي يمكن عنونتها تحت كلمة واحدة صراع المصالح. فما بين سيناريو أردوغان المتهم لعدوه الحالي ورفيق دربه السابق, فتح الله كولن بأنه من يقف وراء الانقلاب, وما بين تسريبات البعض المشيرة لضلوع أمريكا في التخطيط للانقلاب الي حد نفي أوباما للتهمة في تصريحات اخيرة, تأتي محاولة فهم سياق الحدث الذي يري البعض بما فيهم أردوغان نفسه قابلية تكراره قريبا. فتركيا التي تعيش اليوم علي صفيح ساخن بعد القاء القبض علي9000 من عناصر الجيش والاف غيرهم من اتجاهات عدة, بالإضافة الي اقالة49 ألفا من قادة الجيش وعمداء الكليات والمدرسين وعناصر الشرطة والقضاء, تدرك أن نهايات تلك المحاولة لم تأت بعد في ظل حالة الطوارئ المفروضة من قبل البرلمان التركي ومن قبل سعي أردوغان لبسط المزيد من النفوذ للقضاء علي معارضيه في كل موقع. ولذا يمكننا التوقف أمام اتهام أردوغان لفتح الله كولن بتدبير الانقلاب ومطالبة أمريكا بتسليمه لأنقره لمحاكمته. كولن المقيم في الولاياتالمتحدةالامريكية منذ العام1999 في اطار عملية لجوء سياسي كان احد المقربين من اردوغان والساعين لفرض رؤية دينية علي حكم تركيا منذ سنوات. يتفق مع أردوغان في الفكر والهدف ويختلف معه في اساليب التنفيذ وسلوكيات الطرح. يمتلك40 مدرسة حول العالم من بينها مدرسة صلاح الدين الدولية في التجمع الخامس, وهو مؤسس مجلة حراء التي تصدر بالتركية والعربية وتباع في مصر. زادت مساحة الخلاف بين الرجلين منذ سنوات بشكل غير معلن ثم خرجت للنور في العام2013 حينما نشر الاعلام التركي تفاصيل فساد حكومة أردوغان وتورطه في بعض منها بالصمت علي مشاريع ابنه وعلي رأسها شراء البترول من داعش سوريا وتهريبه. وقتها أعلن أردوغان عداءه لكولن وطالب امريكا بتسليمه متهما اياه بتسريب تلك الاخبار للاعلام. واليوم تضغط أنقره علي واشنطن لتسليم الرجل لها لمحاكمته بتهمة تدبير الانقلاب الاخير وهو ما تطلب الاخيرة دليلا عليه. سيناريو آخر تداولته تقارير اعلاميه متعددة الجنسيات تتهم فيه الولاياتالمتحدة بالوقوف خلف الانقلاب للتخلص من حليفها القديم الذي زادت أعباؤه علي الولاياتالمتحدة بعد أن استعدي الكثيرين في المنطقة نتيجة لتنفيذه الرؤية الامريكية وحلف الناتو, إضافه لاتجاهه الأخير لروسيا بعد استشعاره حالة الفتور الأمريكي التي دعمت بشكل علني الاكراد في شمال سوريا. علي سبيل المثال ما نشرته صحيفة كومسو موليسكايا برافدا الروسية وقالت فيه:يمكن القول إن التخطيط للانقلاب بدأ في الغرب. وإن قاعدة إنجرليك الجوية الأمريكية في تركيا هي مركزه. ولا سيما أن القاعدة برئاسة الجنرال التركي بكر أرجان فان, الذي اعتقل بعد فشل المحاولة الانقلابية, وجميع المتهمين من هذه القاعدة. وأن سفير الولاياتالمتحدة لدي تركيا جون باس التقي مرات عديدة بزعيم المحاولة الانقلابية أكين أوزتورك وبكر أرجان فان بحجة مناقشة مسائل التعاون مع الأكراد في سوريا والعراق. وغالبية ضباط الجيش التركي هم من خريجي المؤسسات التعليمية العسكرية للناتو ومن الموالين للولايات المتحدة. وقد بينت نتائج التحقيق الأولية أن المشاركين في الانقلاب من جنود وضباط وجنرالات حصلوا علي ضمانات أكيدة من القيادة العسكرية والدبلوماسية للولايات المتحدة بأنهم يمكنهم اللجوء إلي القاعدة في حال فشل المحاولة. ثم ذكرت الصحيفة في تقريرها ان الأسلحة العسكرية الموجودة في انجيرليك كانت سببا في تراجع امريكا عن تأييد الانقلاب أو غض الطرف عنه عندما قامت السلطات التركية بقطع الكهرباء عن القاعدة وتهديدها باتخاذ اجراءات ضد العسكريين فيها. ولذا لا تتوقف مساعي اردوغان فقط عند اقصاء خصومه ومحاسبتهم, ولكنه يتجه للحصول علي المزيد من الدعم الخارجي لدعم موقفه ولعل هذا ما يفسر الخبر الذي بثته وكالة إيرنا الإيرانية يوم الاثنين الماضي بتلقي حسن روحاني لاتصال هاتفي من أردوغان يطلب فيه توثيق التعاون بين البلدين ودعم ايرانلتركيا, وهو ما دفع ايران لإعلان ضرورة اعتذار تركيا عن دعمها لداعش وسعيها لازاحة نظام الاسد في سوريا. نعم يستشعر اردوغان الخطر بل واحتمالية تكرار الانقلاب عليه وهو ما تناوله الكاتب السياسي روبرت فيسك في مقاله الاخير بالاندبندنت البريطانية تحت عنوان ربما فشل الانقلاب التركي, ولكن التاريخ يوضح أنه لن يمر وقت طويل ليتكرر بنجاح. وقال فيه إن أردوغان رضي أن يلعب دورا في سوريا والعراق ودول منطقة الشرق الاوسط وفقا للرؤية الأمريكية وكان نتيجة ذلك كسبه عداء دول كثيرة في المنطقة, وأن الوقت بات متأخرا علي أردوغان ليدرك فداحة ثمن ذلك الدور الذي اختاره لبلاده. وقال فيسك: حينما لا يكون بمقدورك الثقة في جيشك, فإنه يبقي أمامك أمور كثيرة عليك اعادة تعريفها والتفكير فيها. وهو ما دفع فيسك لتوقع تكرار الإنقلاب علي سياسات أردوغان مهما يفعل. وهكذا تتصارع المصالح بين أطراف كانت يوما صديقة لتعلن أن لا ود دائم في السياسة التي لا تعترف إلا بحكمة تقدير الامور... فهل يحتكم أردوغان للمنطق أم لمصالحه الخاصة؟ وللحديث بقية...