رحم الله الكاتب القدير أحمد بهاء الدين, فقد أبدع هذا المصطلح للدلالة علي سلبيات الانفتاح الاقتصادي الذي أعقب حرب أكتوبر المجيدة, والذي جاء بعد سنوات من إتباع الاقتصاد الموجه.حيث أساء الرأسماليون المحدثون وقتذاك فهم الحرية الاقتصادية وأساءوا استخدامها بما ألحق أضرارا بالتطور الطبيعي نحو الاقتصاد الحر وبما ألحق الأذي بالمصالح الاجتماعية, وجاءوا بأخلاقيات سلبية تحتوي علي كل رذائل الرأسمالية, ولم يستطيعوا الإمساك بفضائلها وجوانبها الايجابية. شيء قريب من هذا, يطل برأسه من جديد, ولكن في مجال آخر, هو حالة الانفتاح السياسي التي تشهدها البلاد. لا توجد قيود تفرضها الدولة. وهذه نعمة يجب الحفاظ عليها. وتشجيع الدولة علي الاطمئنان إلي مواصلة فتح كل الأبواب الممكنة نحو تحول ديمقراطي كامل. كذلك لا توجد سلبية من طرف المواطن العادي, فهو إيجابي ومتفائل ولديه استعداد للمشاركة في العمل العام بكل مجالاته. إذن لا توجد قيود من الدولة, ولا توجد سلبية من المواطن. ودائما كانت الشكوي تأتي من هذين البابين لتبرير الجمود والتأخر الديمقراطي. والآن: ما هي المشكلة؟ بصراحة المشكلة مصدرها النخبة والنخبة وحدها, خاصة النخب الإعلامية والثقافية والفكرية والحزبية والدينية سواء كانت في شكل تنظيمي أو عبارة عن أفراد مستقلين. طبعا لا أدعو هؤلاء جميعا للاتفاق علي كل شيء, فالاختلاف هو جوهر الحرية والديمقراطية, ولكن أتمني بلورة نقاط عريضة للاتفاق حولها, لأن الحادث الآن هو أن استمرار حالة السيولة يؤدي إلي دخول عناصر لديها ميول لإساءة استخدام هذا الانفتاح السياسي ليتحول هو الآخر إلي سداح مداح. أعود وأقول إن النخبة تمارس ترفا فكريا مفرطا في لحظة تحتاج إلي الفكر المسئول, الشطحات لا بأس بها ولا حجر عليها ولكن ينبغي أن تكون في حدودها وبما يساعد علي إلقاء الأحجار في الماء الراكد, دون أن تتحول إلي لعبة أقرب إلي التسالي التي يدمنها أصحابها, فالغاية هي أن يتحرك الماء, والماء قد تحرك وعلينا أن نلقي الأحجار من أيدينا, وأن نستقبل الغيث, فمياه الديمقراطية آتية لا ريب فيها. المهم أن نتوقف ولو قليلا عن الكلام السائب, وأن نستعد لمرحلة البناء, وإلا تحولت البلاد إلي مسرح للسفسطة والجدل العقيم حول كل شيء!