شهدت منطقة حوض النيل عددا من تجارب التعاون المشترك, والتي لم تنجح في الوصول إلي صيغة قانونية مؤسسية, وفي هذا السياق يمكن تناول تجارب التعاون الجماعي للوقوف علي التطور الذي شهده الادراك العام لآلية التعامل مع نهر النيل وذلك فيما يلي: 1 مشروع الدراسات الهيدرومترولوجية في هضبة البحيرات: وهو المشروع الذي تحول فيما بعد إلي مشروع التيكونيل اعتبارا من عام1992 وحتي نهاية عقد التسعينيات, فكان عام1967 وهو البداية الحقيقة لما يمكن ان نطلق عليه العمل الجماعي, رغم ان الاجتماعات والمشاورات بدأت وبالتحديد منذ اكتوبر1961 من خلال اللجنة الدائمة الفنية المشتركة المصرية السودانية مع ممثلي تنزانيا واوغندا وكينيا ولكنها ظلت محادثات غير رسمية, وقد ضم هذا المشروع كلا من مصر والسودان وتنزانيا واوغندا وكينيا ورواندا ورزائير واثيوبيا كمراقب. 2 تجمع الاندوجو قام هذا التجمع الذي يعني باللغة السواحلية الاخوة نتيجة لتحول حقيقي في ملف المياه في الثمانينيات, ولتنامي فكرة البحث عن آلية أو إطار اقليمي يضم دول حوض النيل, وقد جاءت البداية في نوفمبر عام1983 مع عقد المؤتمر الأول بالخرطوم بعضوية كل من مصر والسودان وزائير وافريقيا الوسطي رغم ان الأخيرة من غير دول الحوض, وقد زاد عدد الدول الاعضاء إلي ست في المؤتمر الثاني الذي عقد في كينشاسا في سبتمبر1984 بانضمام رواندا وبوروندي كأعضاء مراقبين ثم تحولا بعد ذلك إلي عضوين دائمين ليتوالي بعد ذلك انضمام تنزانيا وكينيا واثيوبيا إلي التجمع وان ظلت الاخيرتان محتفظتين بصفة مراقب. وكان قيام تجمع الاندوجو فكرة مصرية خالصة مستندة إلي مجموعة من الأهداف العامة التي تقوم علي التشاور والتنسيق في القضايا الافريقية ودعم التعاون في مجالات التنمية وتبادل المعلومات والخبرات ودون ان يتضمن ذلك نصا صريحا علي تعاون مائي. 3 تجمع التيكونيل: انطلق هذا المشروع المعروف باسم( التجمع الفني لدول حوض النيل للتنمية والحفاظ علي البيئة لنهر النيل) في ديسمبر عام1992 كخطوة اكثر عمقا وأكثر استجابة لمشروع الدراسات الهيدرومترلوجية للنهر السابق الاشارة إليه فقد وقع علي وثيقة التيكونيل ست دول هي: مصر والسودان واوغندا وتنزانيا والكونجو الديمقراطية ورواندا, بينما ظلت اربع دول كأعضاء مراقبين هي: اثيوبيا واريتريا وكينيا وبوروندي. 4 التعاون الثنائي تثير مسالة التداخل بين مساري التعاون الثنائي والجماعي فيما يتعلق بقضية المياه, واحدا من الدروس والنتائج التي القت بظلالها علي العلاقات البينية, لاسيما باتجاه العلاقة مع مصر, فمحاولات فك الاشتباك بين مسار العلاقات ومسار التفاعل مع قضية المياه, وفرت بعض الفرص المحدودة للتعاون واوجدت انقسامات وتحالفات بين دول الحوض, وهذا إلي جانب جملة من التفاعلات علي المستوي الفني, وعلي مستوي الاتفاقيات. هناك اتفاقية بين مصر واوغندا منذ عام1953 لتنظيم التصريفات التي تأتي من بحيرة فكتوريا, وقد تم بمقتضاها مشاركة مصر في بناء خزان اوين لانتاج الكهرباء, وهناك ايضا اتفاقية حديثة تمت سنة1991 بتنظيم التصرفات المارة من بحيرة فكتوريا بما يفيد أوغندا في الكهرباء كما وافقت مصر علي طلب اوغندا المقدم إلي البنك الدولي بشأن تمويل تعلية سد اوين. توقيع اتفاقية إطارية عام1993 بين مصر واثيوبيا تتضمن بعض المبادئ العامة الخاصة بالتعاون المائي بين البلدين, الامر الذي ساعد علي تخفيف حدة التوتر المصري الاثيوبي في ذلك الوقت.. وادي إلي تكوين لجنة مشتركة بين البلدين تهدف لتوفير آلية ثنائية للتشاور حول المياه والخطط المشتركة لزيادة حجم التدفق وتقليل الفاقد من المياه وتنمية موارد النهر, ويتم التعاون الثنائي في ضوء الالتزام بميثاق الاممالمتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية وإعلان لاجوس عام1980 ومبادئ القانون الدولي, ورغم ان هذه اللجنة لم تصل بعد إلي نتائج ملموسة, إلا انها ساهمت إلي حد ما في تخفيف حدة التوتر وإرساء قواعد للحوار وعدم الاضرار بمصالح البلد الآخر. توقيع بروتوكول تعاون فني بين مصر ورواندا, يقضي بالتعاون بين البلدين في المجالات التي اقرتها مبادرات دول حوض النيل من اجل تنفيذ المشروعات المشتركة لمصلحة هذه الدول ورفع مستوي حياة شعوبها, ولقد نصت احكام هذا البروتوكول علي احترام الدولتين لهذه المبادرات النيلية وان تسهم مصر في مساعدة رواندا لإدارة المياه النيلية الجوفية. هناك تعاون بين مصر وزائير في مجال توليد الطاقة الكهربائية. اتفاق بين السودان واثيوبيا عام1993 لتنظيم التعاون في استعمال مياه النيل, وهو الاتفاق الذي اعتبره البعض موجها إلي مصر ولاتفاقية عام1959 الموقعة من السودان. خامسا: مبادرة حوض النيلNBI تنم المبادرة التي انضم إليها جميع دول الحوض باستثناء اريتريا التي اكتفت بالانضمام كعضو مراقب, عن تطور حقيقي في رؤية دول الحوض لسبل الانتفاع المشترك بموارد حوض النيل خاصة فيما يتعلق بالتعاون المشترك بين مصر واثيوبيا, وفي هذا السياق تم الاتفاق علي هيكل مؤسسي يتكون من مجلس وزراء الموارد المائية في دول الحوض, واللجنة الاستشارية الفنية والسكرتارية العامة, كما تم الاتفاق علي اختيار مدينة عنتيبي الاوغندية مقرا للسكرتارية الدائمة, واختيار السيد معراجي موسويا سكرتيرا تنفيذيا وهو تنزاني الاصل, وكذلك تم الاتفاق علي ان تكون الرئاسة بشكل دوري, واللافت للنظر ان هيكل المبادرة تضمن قناة للحوار الدولي, يقوم بها الاتحاد الدولي للتعاون في حوض النيل بالاشتراك مع البنك الدولي وصندوق دعم التنمية التابع للأمم المتحدة. 1 برنامج الرؤية المشتركةSVP يهدف البرنامج إلي إيجاد بيئة ملائمة للإدارة التعاونية والتنمية في حوض النيل من خلال مشروعات محددة وفاعلة. 2 برنامج العمل العابر للحدودSAP: يختص بالمشروعات المتعلقة بالاحواض الفرعية في الهضبة الحبشية( النيل الشرقي) وتشترك فيها مصر والسودان واثيوبيا, ومنطقة البحيرات( النيل الجنوبي) التي تضم كلا من بوروندي والكونجو الديمقراطية وكينيا ورواندا وتنزانيا واوغندا. ويتضح من العرض السابق ان تقسيم مستوي التعاون يهدف إلي ابراز ثمار التعاون بشكل سريع بما يساعد علي استمرار التعاون الاقليمي وامتداده إلي نواح عديدة تتجاوز التعاون الفني المائي إلي مجالات اقتصادية واستثمارية. الدروس المستفادة هذه النتيجة تفرض تحركا مصريا موازيا لمسار المفاوضات, وايضا تكاملا لادوات السياسة المصرية تجاه دول الحوض بشكل خاص وافريقيا بشكل عام, كما انها تتطلب تكثيف الكثير من التفاعلات المصرية الضاغطة للوصول بالمفاوضات لاتفاقية نهائية, تشير خبرة التعاون وما تشهده عملية التفاوض الدائرة بين دول الحوض إلي نتيجة رئيسية مفادها ان حلم توقيع اتفاق قانوني ومؤسسي لتنظيم التعاون المائي بين دول الحوض لايزال علي المحك, ولكن في المقابل تشير جولات التفاوض وما اسفرت عنه من نتائج لتطور ايجابي لايمكن تجاوزه أو التقليل من اثاره, لاسيما علي مستوي التعاون الفني والحوار.ومن ثم ربما يكون من الضروري قراءة المفاوضات والاجواء المحيطة بها من واقع التجارب السابقة وما اسفرت عنه من دروس ونتائج تعطي مؤشرا علي ان الجهد الفني الذي بذل من قبل وزراء الري في دول الحوض والفنيين لم يعد كافيا, وان المطلوب هو تحرك علي مستوي رئاسي مستند لدور دائم من قبل اللجنة العليا للمياه, وتكامل ادوات السياسة المصرية, مع اعطاء دفعة اكبر لدور القوة الناعمة لمصر ومنظمات المجتمع المدني. فخبرة التعاون بين دول الحوض تشير إلي ان مطلب التعاون وتأسيس إطار قانوني ومؤسسي جماعي يظل مسئولية مصرية خالصة.