جاءت دعوة الرئيس السيسي لشباب الأولتراس لتقديم النموذج وتحمل المسئولية تجاه الوطن, بالمشاركة في عملية التنظيم لدخول الجماهير وفق آلية تضمن سلامتهم, وأكد أنهم أبناء الوطن الواجب احتواؤهم, لكن رغم مرور ثلاثة أسابيع لم نسمع عن جهة التقطت طرف الخيط ووضعت مقترحا عمليا يمكن تنفيذه خصوصا مع اقتراب خوض الأهلي والزمالك لمبارياتهما الإفريقية في مصر, بحضور جماهيري, ومن هنا فإن الأمر يتطلب استثمار الدعوة الرئاسية, والعودة الجماهيرية, لتدريب الأولتراس علي التنظيم من خلال التعاون مع إدارة للمشجعين يستحدثها كل ناد في هيكله الإداري, تكون مهمتها التواصل مع ممثلي الأولتراس والتنسيق معهم بدءا من تحديد أعداد التذاكر لكل مباراة والمتاح منها لهم, باعتبار أن لكل ناد أعضاء ليسوا من الأولتراس ولهم الحق في الحضور للملاعب, والمواد والأدوات المحظورة, والقبول بتطبيق القانون علي أي مخالفة ترتكب, صغرت أم كبرت, وأيا ما كان مرتكبها, ويكون التعامل علي الأبواب من خلال إدارة الأمن التابعة للنادي; لنبعد الشرطة عن المواجهة; ليقتصر دورها علي حماية المنشآت, وتكون المسئولية كاملة علي النادي في التعامل مع الجماهير, ولا تتدخل الشرطة إلا بطلب من النادي, ويمكن الاتفاق مع روابط الأولتراس علي استخراج بطاقة لكل مشجع تمنحه الحق في أولوية الحصول علي تذاكر المباريات ويكون معروفا لدي إدارة المشجعين بالنادي, وفي حال خروجه عن النص تلغي البطاقة, ويحرم من دخول الملاعب, هذا مقترح نضعه أمام المسئولين, فقط المطلوب الآن أن يجتمع ممثلون لوزارة الداخلية ووزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة والأندية علي مائدة حوار جاد لوضع النقاط فوق الحروف وغلق الملف الذي أزعج الجميع. ما سبق كان من وحي ما دار في بطولة أوروبا في أيامها الأولي, وتأكيدا علي أن ظاهرة الشغب باتت عالمية وتستحق أن يوليها الفيفا والكاف أهمية في البحث والدرس لوضع النقاط فوق الحروف, وهنا أدعو المهندس هاني أبوريدة عضو الاتحادين الإفريقي والدولي لكرة القدم ليتقدم باقتراح تنظيم إحدي المؤسستين الفيفا أو الكاف مؤتمرا يخصص لبحث الظاهرة التي استفحلت وباتت تهدد كيان اللعبة وبطولاتها وزادت بتعكير أجواء العلاقات الدبلوماسية بين الدول وليس ما جري بين موسكووباريس ببعيد, إذ احتجت موسكو علانية علي تعامل أمن باريس مع مشجعيها ومنع دخول جدد, ما يعني أن الأمر سيخرج من الملاعب إلي السياسة, وأننا أمام شرر تجاوز مرحلة المستصغر, بعدما استفحل فعلا وعملا. ونعود إلي دعوة الرئيس للأولتراس التي استبشر بها المعنيون خيرا باعتبارها تفتح الباب أمام إنهاء حالة اللاحضور واللاغياب التي تشبه حالة اللاحرب واللاسلم في السياسة, لكن يبدو أن جماعات الأولتراس لم تستوعب الدعوة من خلال تصرفاتهم التي لم تتغير حتي تحت غطاء دعم ناديهم, إذ زحف الآلاف تجاه ملعب مختار التتش بضاحية الجزيرة حيث مقر النادي الأهلي, ودخلوا إلي المدرجات قبل أن ينزلوا إلي أرض الملعب ويتسببوا في قرار مارتن يول المدير الفني بإلغاء المران, ورفعوا لافتات مسيئة لجماهير المنافس في المباراة المرتقبة, صيغت بذات الطريقة والأسلوب الذي صيغت به العبارات التي تسببت في وقوع مذبحة ستاد بورسعيد التي لا تزال الكرة المصرية تدفع ضريبتها حتي الآن بعدما دفعت بعض الجماهير حياتها ثمنا لهذا الخروج عن آداب التشجيع, ما أعاد القضية لنقطة الصفر, وبدا واضحا أن قادة الأولتراس لا يصغون لصوت العقل وقبله لا يؤمنون بقيم التشجيع المثالي التي تدعو إلي تشجيع فريقك كما شئت دون أن تتعرض للمنافس, وبكل تأكيد بات واضحا أن درس ستاد بورسعيد ومن بعده درس ستاد الدفاع الجوي لم يستوعبهما ولم يتعلم من تبعاتهما شيئا. غير أن الأزمة التي لفتت نظري في واقعة اقتحام ملعب التتش, أن ما جري انقسم حوله المتابعون ما بين مؤيد يفاخر بقوة جمهوره ودعمه لفريقه وقت الشدة بعد خسارتين متتاليتين بذات النتيجة أمام المصري وزيسكو الزامبي2-3, وبين معارض يري أن ما حدث ينذر بالخطر ولا يدعو للتفاؤل بقرب عودة الجماهير للمدرجات والانضباط في التشجيع مما يجعل حضورها للملاعب مأمونا وفي إطار من المتعة والترويح, وزاد هذا الفريق بأن الجماهير في هذه الحالة تتحول كالدبة التي قتلت صاحبها, إذ إنها بفعلتها تعتقد أنها تدعم الفريق بينما في الحقيقة أنها حرمته من المران الذي كان مهما قبل مباراة مهمة مع منافس تقليدي قوي, ثم جاءت مباراة الإسماعيلي وما شهدته من اقتحام للمدرجات توقف علي أثرها اللعب بعد اعتراض لاعبي وجهاز الإسماعيلي, ولم تستأنف إلا بعد خروج الجماهير, وجاءت مباراة أسيك الإيفواري التي حضرها الجمهور ليبدأ فور دخوله الملعب في تقديم وصلة من الهتافات ضد الداخلية التي حاولت أن تبني جسور علاقة جديدة من خلال تقديمها وجبات إفطار لبعض الجماهير قبل المباراة, إلا أن ذلك لم يغير من الأمر شيئا, لتبقي القضية عند نقطة الصفر, الأمر الذي ينذر بكارثة جديدة إذا ما استمر التعامل بسلبية مع القضية. لكل هذا فإنني أتوقف أمام سؤال حائر: أين الدولة من دعوة الرئيس لاحتواء الأولتراس وفق منظومة تحدد الواجبات والمسئوليات لتأمين دخول الجماهير للملاعب مع التأكيد المتكرر علي أن الجماهير لا تعني أعضاء الأولتراس وحدهم, فهناك آلاف يشجعون كل ناد ليسوا منتمين للأولتراس, وهنا أتساءل عن مصير مقترح تقدم به اللواء أحمد ناصر بصفته أحد رياضيي مصر وأبطالها الأولمبيين نيابة عن عدد من الشخصيات لبوا دعوته لمناقشة أزمة الحضور الجماهيري في ملاعب الكرة ووضعوا العديد من المقترحات والتوصيات التي يمكن تطبيقها علي أرض الواقع شرفت أن أكون أحد المشاركين فيها, إلي جانب عضو فاعل هو خالد شاكر رئيس جمعية مشجعي الأهلي التي حوربت بعدما لفتت الأنظار إليها بقوة بفضل تميزها وانضباطها فما كان منه إلا أن أوقف نشاطها, لتظهر بعدها جماعات الأولتراس بصورتها التي جاءت مغايرة تماما لما قدمته الجمعية, المهم أن التوصيات قدمت لجهة مسئولة, وكانت تتضمن حلا جذريا للأزمة وفي المقدمة منها إنهاء حالة الخصام بين إدارتي: الأهلي والمصري, بعد مناقشات أبدي خلالها عدد كبير من رموز بورسعيد ورياضييها المساهمة بجهد مخلص وفعال في إنهاء الأزمة ووافقوا علي العديد من المقترحات ومنها تغيير معالم ستاد بورسعيد في المنطقة التي وقعت بها المذبحة لتغيير الصورة الذهنية عن المكان لدي جماهير الأهلي, خصوصا وأن الملعب سيستقبل المباريات في الموسم المقبل, كما أن قرار مجلس إدارة الأهلي السابق بعدم اللعب علي ملعب بورسعيد كان محددا بخمس سنوات ما يعني أنها ستنتهي العام المقبل, فهل ينظر أحد لصلب القضية ويوليها الاهتمام المطلوب أم أننا سندفن رؤوسنا في الرمال حتي توقظنا أزمة جديدة وكأنها جاءت فجأة ودون سابق إنذار.