قبل نحو قرن من الزمان وبالتحديد فى عام 1920، عرف العالم الشغب فى الملاعب ، عندما سقط عشرون قتيلا ونحو 500 جريح جراء شغب جماهيرى فى مباراة كروية جمعت انجلترا واسكتلندا، لكن احدا لم يعر الامر الاهتمام الواجب لضمان عدم تكراره وارجعوه إلى الصراع السياسى بين البلدين، لكن حادثا آخر كان أكثر فظاعة شهدته قارة أمريكا الجنوبية راح ضحيته نحو 630 شخصا، نتيجة شغب بين جمهور بيرو والارجنتين على خلفية مباراة كروية جمعتهما فى تصفيات أوليمبياد طوكيو 1964، ولم يلتفت العالم إلى ان الشغب تحول الى ظاهرة تكبر ككرة الثلج ، وتنتقل من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية ومن بعدها الى العالم كله، اذ تعددت الملاعب وبقى الشغب واحدا ، ما سبق ذكره يأتى على خلفية الاحداث الدامية التى شهدتها الايام الاولى من البطولة الاوروبية، التى تستضيفها فرنسا هذه الايام، عندما تحولت شوارع مدينة مرسيليا الى ساحة قتال بكل معنى الكلمة بين الاولتراس الروسى والهوليجانز الانجليزى ، ليحولوا ليل المدينة الحالمة إلى كابوس. وكالعادة تسابق مسئولو الفيفا واليوفا حتى الاتحاد الأوروبى بل رؤساء الدول فى الدخول على خط الازمة بالتنديد والشجب والاستنكار ، اذ وصف الفيفا ماحدث بأنه فعل شائن لمجموعة من الغوغاء والبلهاء، واكتفى بالتبرؤ منهم مؤكدا انهم لا يمثلون كرة القدم ، وأعرب يواكين جادرك رئيس ألمانيا عن قلقه من تعكير صفو الحفل السلمي، بينما لم يجد الاتحاد الاوروبى أفضل من تعبير الاشمئزاز ليترجم به شعوره تجاه ما حدث، لكن سلطات فرنسا ادركت ان الأمر يعنى ان هناك ثغرات امنية سمحت للمشجعين الموتورين بإفساد فرحتهم بالافتتاح وإعلانهم تحدى الارهاب الذى ضرب فرنسا قبل عدة اشهر ، من خلال تنظيم البطولة الأوروبية الاكبر ، رغم وضع 90 ألف رجل أمن تحت إمرة التنظيم. لكن أولتراس روسيا وهوليجانز انجلترا تحديا تلك الترتيبات ودخلا فى اشتباكات عنيفة بعد المباراة، ونتج عن الاشتباكات اصابة نحو خمسين مشجعا بعضهم حالته خطيرة، وألقت قوات الامن الفرنسى القبض على 116 شخصا خضعوا للتحقيق، تبين بعدها انه ليس من بينهم روس، بعدما كشف المدعى العام فى مرسيليا بريس روبان ان الروس كانوا يحملون صواعق حالت دون تمكن رجال الامن من القبض عليهم، وتمنى على انجلتراوروسيا المساعدة فى اعمال التحقيق ، لردع الخارجين على القانون. ولم تجد وزارة الداخلية الفرنسية امامها الا اتخاذ عدة اجراءات عاجلة منها منع دخول المشجعين الروس والانجليز فرنسا ، ومنع بيع الخمور يوم المباريات ، باعتبارها اجراءات وقائية تحد من العنف ، بعدما ارجع مسئولون خروج الجماهير عن وعيها إلى افراطها فى شرب الخمور. من جهته اعلن الاتحاد الأوروبى لكرة القدم بحثه اتخاذ قرارات تأديبية تجاه اتحادى البلدين ، وألمح الى امكان خصم نقاط منهما فى تصفيات البطولة المقبلة 2020، مما اضطر روى هودجسون مدرب انجلترا وقائد الفريق واين رونى الى المسارعة بمطالبة الجماهير بالهدوء والتصرف بعقلانية ، غير ان ما يستحق التوقف عنده فى هذه الأزمة هو البحث عن السبب الحقيقى وراء انتشار ظاهرة العنف، ولماذا يذهب مشجع الى ملعب ليحطم ويضرب بينما هو فى الاصل ذهب ليستمتع ويشجع، الاجابة على هذا السؤال نجدها عند الكاتب الايطالى امبرتو ايكو الذى اثبت ان هناك نفرا من المشجعين امتهنوا التشجيع فبات وظيفتهم فى الحياة، وانهم يعبرون عن اعجابهم بالصياح والعنف والضرب والرقص ، ومن هؤلاء خرجت مجموعات اطلقت على نفسها اسماء تميزها وتعبر عنها ومهما تختلف الاسماء فإن الافعال متشابهة ممايعنى انهم جميعا يتخذون من العنف مصدرا للتعبير عن قوتهم فى مواجهة المنافسين وحبهم الزائد لناديهم الذى يشجعونه، وكان الهوليجانز هم المتصدرين للمشهد فى كل ملعب يشهد اسالة دماء ، وعلى مدى التاريخ كان التعامل الامنى هو الوسيلة التى تتعامل بها الدول مع هؤلاء لكنه وان حد منها فإنه لم يقض عليها. مما يدعونا لمطالبة الفيفا بتبنى مؤتمر يبحث هذه الظاهرة قبل ان تضع العالم على شفير حرب فى كل وقت، وتحول الفرحة بالبطولات إلى لعنة وساعتها لن يجد الفيفا والاتحادات القارية من يقبل استضافة البطولات، وهو امر بات يقض مضاجع الروس من الآن وقبل عامين من استضافتهم لمونديال 2018 نظرا لتكرار حوادث الشغب فى بطولتهم المحلية، فالامر جد خطير ولايقبل دفن الرءوس فى الرمال أو الانحناء للعاصفة من هنا يأتى الحديث عن عودة الجماهير لملاعبنا بعد غياب امتد نحو أربعة اعوام ، إذ لم يعد الامر يحتمل استمرار ظاهرة اللاحضور واللاغياب التى تشبه اللاحرب واللاسلم، ورغم تعدد المقترحات لهذه العودة ومعها الوعود فان شيئا لم يحدث، ثم جاءت دعوة الرئيس السيسى لشباب الاولتراس لتقديم النموذج وتحمل المسئولية تجاه الوطن بالمشاركة فى عملية التنظيم لدخول الجماهير وفق آلية تضمن سلامتهم، وهو مارحبت به روابط الاولتراس المتعطشة للعودة للمدرجات، ووجدت فى دعوة الرئيس طوق نجاة، فمن جهة نفى الرئيس بذكرهم تهمة الإرهابية عنهم، وأكد انهم ابناء الوطن الواجب احتواؤهم، لكن رغم مرور نحو اسبوعين لم نسمع عن جهة التقطت طرف الخيط ووضعت مقترحا عمليا يمكن تنفيذه خصوصا مع اقتراب خوض الاهلى والزمالك مبارياتهما الافريقية فى مصر بحضور جماهيري، ومن هنا فإن الامر يتطلب استثمار الدعوة الرئاسية، والعودة الجماهيرية، لتدريب الاولتراس على التنظيم من خلال التعاون مع ادارة للمشجعين يستحدثها كل ناد فى هيكله الاداري، تكون مهمتها التواصل مع ممثلى الاولتراس والتنسيق معهم بدءا من تحديد اعداد التذاكر لكل مباراة والمتاح منها لهم، باعتبار ان لكل ناد اعضاء ليسوا من الاولتراس ولهم الحق فى الحضور للملاعب، والمواد والادوات المحظورة، والقبول بتطبيق القانون على اى مخالفة ترتكب صغرت أو كبرت وايا ماكان مرتكبها، ويكون التعامل على الابواب من خلال ادارة الامن التابعة للنادى لنبعد الشرطة عن المواجهة ليقتصر دورها على حماية المنشآت، وتكون المسئولية كاملة على النادى فى التعامل مع الجماهير ، ولاتتدخل الشرطة الا بطلب من النادي، ويمكن الاتفاق مع روابط الاولتراس على استخراج بطاقة لكل مشجع تمنحه الحق فى اولوية الحصول على تذاكر المباريات ويكون معروفا لدى ادارة المشجعين بالنادى وفى حالة خروجه عن النص تلغى البطاقة ويحرم من دخول الملاعب، هذا مقترح نضعه أمام المسئولين، فقط المطلوب الآن ان يجتمع ممثلون لوزارة الداخلية ووزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة والاندية على مائدة حوار جاد لوضع النقاط فوق الحروف وغلق الملف الذى ازعج الجميع.