تستحق الولاياتالمتحدة عن جدارة لقب الإمبراطورية صاحبة أضخم شعب مسلح في التاريخ, فعدد قطع المسدسات التي يمتلكها الأمريكيون سواء بطريقة مشروعة أو غير مشروعة قد يصل إلي أكثر من ثلاثمائة وعشرة ملايين قطعة في دولة يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثمائة وواحد وعشرين مليونا وثلث المليون نسمة. هذا فقط عن عدد قطع المسدسات في المجتمع الأمريكي, أما عدد البنادق التي يحتفظ بها الأمريكيون سواء بطريقة مشروعة أو غير مشروعة فيبلغ مائة وعشرة ملايين بندقية. وأخيرا فإن عدد بنادق الرش التي يحتفظ بها أولاد العم سام سواء بترخيص أو بدون ترخيص فيبلغ ستة وثمانين مليون بندقية. يقول موقع شوت سبوترShotSpotter الأمريكي المعني برصد ظاهرة حوادث إطلاق النار في الولاياتالمتحدة, إنه خلال العام المنصرم, جري رصد أربعة وخمسين ألفا وستمائة وتسعة وتسعين حادث إطلاق نار منفصل في البلاد. وكشف هذا الموقع سلسلة من الأقام المفزعة في هذا الصدد, فعلي سبيل المثال, فان الولاياتالمتحدة شهدت في العام المنصرم ما يصل إلي مائة وخمسين حادث إطلاق نار يوميا, وذلك بمعدل ستة حوادث كل ساعة. أما عدد الرصاصات التي جري إطلاقها خلال هذه الحوادث فيبلغ مائة وخمسة وستين ألفا وخمسمائة وواحد وثلاثين رصاصة. فعلي سبيل المثال شهدت إحدي بلدات ولاية أوهايو الأمريكية في العام الماضي إطلاق ما لا يقل عن سبعمائة واثنين وسبعين رصاصة, وذلك رغم أن عدد سكانها لا يتعدي ثلاثة وسبعين ألف شخص, وهو ما يعني أن أكثر من طلقتين أطلقتا في تلك البلدة يوميا في المتوسط. اما المفاجأة فإن هذه الأرقام المروعة لا تشمل سائر التراب الأمريكي وإنما ستة وأربعين مدينة فقط. مشكلة الدستور ولعل المشكلة الكبري في هذا الصدد تتمثل في أن الدستور الأمريكي ينص علي حق أي مواطن في الاحتفاظ بالسلاح وحمله لأغراض مشروعة يتمثل أهمها في الدفاع عن النفس. وقد كانت هناك أسباب تاريخية سياسية وراء هذا النص الدستوري, إذ كان دوما ثمة قلق لدي الأباء المؤسسين للإمبراطورية الأمريكية من الاستبداد السياسي الحكومي, ومن ثم فقد اعتبر هؤلاء أن حمل السلاح الشخصي يشكل الحق الاسمي لحماية الحقوق المجتمعية الأخري. وقد استمر هذا الحق مكفولا ومحميا بموجب القانون, ولكن كلما اصطدم المجتمع الأمريكي بحادث سقط فيه عدد كبير من القتلي نتيجة إطلاق النار واستخدام أسلحة نارية, يثار الجدل حول تقييد وحظر الأسلحة. قانون كلينتون و في حقبة التسعينيات, وقع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قانونا يقضي بفرض حظر علي تصنيع وعلي الاستخدام المدني للأسلحة النارية نصف الآلية لمدة عشر سنوات, وتم تحديد تسعة عشر نوعا من الأسلحة النارية وتصنيف مختلف البنادق نصف الآلية, لكن هذا الحظر انتهي في عام ألفين وأربعة. وخرجت دعاوي تطالب بتجديد الحظر. أكثر من ذلك أصدرت المحكمة العليا الأمريكية قرارا تاريخيا أكدت أن المادة الثانية للدستور تحمي حق الفرد في امتلاك سلاح ناري دون أن يكون شخصا عسكريا أو مرتبطا بالجيش. جدل لم يتوقف ورغم هذا الحكم, لم يتوقف الجدل القانوني بشأن رؤية الدستور الأمريكي لهذا الحق الفريد من نوعه, وخصوصا الجدل المثار حول التعديل القانوني الثاني الذي يحمي ملاك الأسلحة, وهو التعديل الذي مضي عليه أكثر من قرنين من الزمان. وشمل هذا الجدل أمورا مثل الهدف من إقرار حق تملك المواطن للسلاح, والتكنولوجيا المتقدمة للأسلحة, وخطر أن تكون البنادق المصممة وفقا للتكنولوجيا العسكرية الحديثة معرضة للتداول العام. أوباما وفوضي السلاح وطالب مسؤولون أمريكيون كبار الرئيس باراك أوباما بأن يضع قضية الحد من العنف المسلح في أولوية جدول أعماله, كما أعلن عدد من المشرعين في الكونجرس الأميركي تأييدهم لمناقشة قانون لتقييد بيع وشراء الأسلحة.وأعلن نواب في الكونجرس دعمهم لدعوات تطالب بفرض حظر علي الأسلحة الهجومية وبتعزيز الإجراءات الأمنية في المدارس. باختصار ظلت هذه القضية من أعمق القضايا التي تنذر بانقسام سياسي كبير في الولاياتالمتحدة. حادث أورلاندو ومن بين التفاصيل المثيرة للانتباه في حادث إطلاق النار في مدينة أورلاندو بولاية فلوريداالأمريكية الذي وقع في الأسبوع الماضي, إعلان شركة جي4 إس أن مرتكب الحادث الذي يدعي عمر متين الأمريكي من أصل أفغاني والذي قتل خمسين شخصا بالرصاص في ملهي ليلي مزدحم للمثليين كان يعمل بتلك الشركة منذ عام ألفين وسبعة, وأنه كان يحمل سلاحا في إطار عمله كفرد أمن. فاذا كان هذا ما يمكن أن يقدم عليه فرد أمن من المفترض أنه سويا من الناحية النفسية, فما بالنا بأي فرد عادي قد يكون مختلا ويحمل سلاح.أما الرئيس أوباما فقد أكد أن علي الولاياتالمتحدة تبحث المخاطر التي تسببها قوانين حيازة الأسلحة النارية التي تتيح بسهولة الوصول إلي أسلحة فتاكة. وجاء ذلك بعد أن أكدت الشرطة أن مطلق النار في حادث أورلاندو كان مسلحا ببندقية هجومية ومسدس اشتراهما بطريقة قانونية. السلاح من الضروريات!! وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلي أن امتلاك الأسلحة يعد من الضروريات في بعض الولاياتالأمريكية التي يغلب عليها الطابع الريفي, والتي تتمتع بمساحات كبيرة, والتي تفصلها عن المدن الكبري مسافات شاسعة. كما يعد اقتناء الأسلحة من الهوايات المعروفة للطبقات الثرية في الولاياتالمتحدة. أكثر من ذلك فإن رياضة الصيد تعد من الهوايات المفضلة لعدد كبير من الأميركيين, ومن بينهم بعض أعضاء الكونجرس. أكثر الحوادث دموية فيما يلي أبرز حوادث إطلاق النار دموية في أمريكا: 12 يونيو 2016 قتل50 شخصا علي الأقل وأصيب53 آخرون, بعضهم في حالة حرجة, في إطلاق نار علي ملهي ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا. 2 ديسمبر 2015 قتل14 شخصا في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا أثناء حفل داخل مركز للحكومة المحلية. وقتل المشتبه بهما سيد فاروق وتاشفين مالك في أعقاب مطاردة بالسيارات وتبادل لإطلاق النار مع الشرطة. 18 يونيو 2015 قتل9 أشخاص في إطلاق نار علي كنيسة تاريخية للسود في شارلستون بولاية ساوث كارولينا. 14 ديسمبر 2012 مجزرة في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في نيوتاون بولاية كونيتيكت, أسفرت عن مقتل20 طفلا و6 معلمين. 20 يوليو 2012 إطلاق نار جماعي علي دار عرض في أورورا بولاية كولورادو أثناء عرض في منتصف الليل لفيلم ذي دارك نايت رايزيز أو نهوض فارس الظلام, مما أسفر عن مقتل12 شخصا وإصابة70. وصدر12 حكما بالسجن مدي الحياة بحق جيمس إيجان هولمز. 16 أبريل 2007 أطلق الطالب سونج هوي تشو النار في حرم معهد فيرجينيا للفنون التطبيقية في بلاكسبرج بولاية فيرجينا مما أسفر عن مقتل32 شخصا. 20 أبريل 1999 قتل المراهقان إريك هاريس وديلان كيلبولد12 تلميذا ومعلما واحدا في مدرسة كولومباين الثانوية في ليتلتون بولاية كولورادو. هجوم أورلاندو.. هدية داعش لمناهضي الإسلام لماذا يرتكب عضو( مفترض) في تنظيم داعش مجزرة في ملهي ليلي في الولاياتالمتحدة؟ ولماذا سارع التنظيم الأرهابي إلي الإعلان عن تبنيه الهجوم, والإشادة بمنفذه؟ علامات استفهام متعددة لن تجد لها إجابات شافية علي الأقل في الوقت الحالي لكن من الضروري طرحها بقوة. يبدو أن الهجوم كان بمثابة هدية لم يكن يحلم بها أشد الكارهين لللإسلام وغلاة المتطرفين في العداء للمسلمين.. علي الفور وقبل أن تظهر نتائج التحقيقات استبق دونالد ترامب, المرشح لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية, كل شيئ واعتبر أن حادث أورلاندو بولاية فلوريدا يؤكد وجهة نظره فيما أسماه بالإسلام المتطرف. وكتب ترامب عبر صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: أقدر كل من باراك لي لوجهة نظري الصحيحة في الإسلام المتطرف, لا أريد التهاني, نريد أن نكون أكثر ذكاء وحسم.. هكذا لمجرد أن مرتكب الحادث مسلم.. كما دعا أوباما للتنحي لأنه لم يذكر الإسلام الأصولي في بيانه ردا علي هجوم أورلاندو. لكن في مقابل ذلك انتقد أوباما دعوات تحميل المسلمين مسؤولية ما جري لمجرد أن منفذ الهجوم علي نفس ديانتهم. وقال أوباما إن هذه المذبحة تذكير آخر بسهولة حصول أي شخص علي سلاح ليطلق النار في مدرسة أو مكان عبادة أو دار سينما أو في ملهي ليلي. بات واضحا أن ترامب وجد ضالته المنشودة في هذا الهجوم بدعوته مجددا إلي حظر دخول المسلمين إلي الولاياتالمتحدة, ومطالبته الرئيس باراك أوباما والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بالاستقالة من منصبيهما لعدم تبنيهما الموقف ذاته, ولأنهما غير قادرين علي حماية الأميركيين. الخطاب السياسي الأميركي بعد الهجوم بات علي طرفي نقيض, فترامب يستغل الحادث أيدولوجيا ويضع المسلمين والعرب في خانة قاتمة الألوان, وأنهم إرهابيون ومجرمون حتي تثبت براءتهم, واستطاع أن ينفذ إلي الأميركيين من هذه الزاوية, بينما هيلاري والديمقراطيون يقفون في موقع رد الفعل ويتحدثون عن ضرورة وضع تنظيم تشريعي لانتشار الأسلحة الآلية. يأتي ذلك وسط دعوات بأنه يتعين علي المسلمين الأميركيين أن يستغلوا الفرصة ويشاركون في الانتخابات الرئاسية الأميركية للتعريف بذاتهم حتي لا يعرفوا من قبل الآخرين خاصة وأن موضوع الإرهاب سيكون في صدارة الجدل الانتخابي. هنا تجب الإشارةي إلي أن هجوم أورلاندو كان عملا فرديا قام به شخص ولد في الولاياتالمتحدة, ومن ثن لا يمكن لوم المسلمين علي سلوك شخص واحد. كما يطالب البعض بأن يتخلي المسلمون عما يسمونه النزعة الاعتذارية, حتي لا يتحملوا مسؤولية جريمة لم يرتكبوها, فالمسلمون لم يبايعوا زعيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي خليفة, كما أن الشاب الذي نفذ هجوم أورلاندو لم يتخرج من مدارس أفغانستان وإنما من مدارس أميركية. كم يطالب العقلاء بأن يتبني المسلمون خطابا سياسيا مستقلا, وأن يصروا علي إظهار آثار السياسة الخارجية الأميركية علي الداخل الأميركي, وكيف أنها هي التي جاءت بالشاب عمر متين وآخرين, وعلي التمسك بحقهم مثلما فعل الأميركيون من أصل أفريقي. كان الشاب متين منفذ الهجوم كان حارسا مسلحا في منشأة للتقاعد وعمل لدي شركة( جي4 اس) العالمية للأمن لتسع سنوات. وقالت الشركة إنه خضع لإجراءات التحقق مرتين في الشركة كانت آخرهما في.2013 وقالت السلطات إن عملاء مكتب التحقيقات الاتحادي استجوبوا متين مرتين في2013 و2014 بعد أن قال لزملائه في العمل إنه يدعم جماعات متشددة لكن الاستجوابين لم يقودا إلي أدلة علي نشاط إجرامي. وقال رونالد هوبر الضابط بمكتب التحقيقات الاتحادي المسؤول عن القضية إن متين استجوب عام2014 بشأن علاقته بمنير محمد أبو صالحة وهو أمريكي كان يعيش في فلوريدا وأصبح انتحاريا في سوريا في ذلك العام. وقالت سيتورا يوسفي زوجة متين السابقة إنه مضطرب عقليا وعاطفيا وكان يطمح أن يصبح ضابط شرطة. وأضافت للصحفيين قرب مدينة بولدر في ولاية كولورادو أنها تعرضت للضرب علي يد متين في أوقات كان يفقد فيها أعصابه ويعبر عن كراهيته لكل شيء. لكن والده مير صديق الذي رأي متين بعد ظهر يوم السبت قال إنه لم يلحظ شيئا غير عادي. وقال لقناة( ايه.بي.سي نيوز) إن ابنه لم ينتهج الفكر الأصولي وأضاف كان كل شيء عاديا... كان شخصا عاديا يذهب إلي العمل ويعود للاعتناء بزوجته وأطفاله. لو كان حيا لوجهت إليه سؤالا واحدا: لماذا؟ وكان متين يتردد مع أسرته علي مسجد في فلوريدا بانتظام. وقال محمد جميل(54 عاما) وهو أحد من يصلون في المسجد إن متين لم يكن صديقا للجميع. لم يكن اجتماعيا. لم يكن ودودا للغاية لكنه لم يكن وقحا أيضا. وقد نفذ هجوم أورلاندو بعد ستة أشهر من هجوم سان برناردينو في كاليفورنيا عندما قتل أمريكي ابن لمهاجرين باكستانيين وزوجته الباكستانية التي تزوجها في السعودية14 شخصا بالرصاص.