أقل من عشرة أيام تفصلنا عن الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, ومازال عموم الناس وكثير من النخب مرتبكين بشأنها. فالنصوص الدقيقة للتعديلات المقترحة لم يتم نشرها علي نطاق واسع. حتي أن بعض من نشروا بالفعل في تأييد التعديلات أو انتقادها لم يطلعوا سوي علي نصوص غير دقيقة نشرتها الصحف. المطلوب هو أوسع حملة إعلامية ممكنة عبر الصحف والتليفزيون والإذاعة والإنترنت وأشكال مختلفة من المطبوعات للوصول بالنصوص الدقيقة للتعديلات لأكبر عدد ممكن من الناس. المشكلة ليست في الجهل بنصوص التعديلات الدستورية فقط, وإنما أيضا في الجهل بالطريقة التي سيصوت الناس بها, فالناس لا يعرفون ما إذا كانوا سيصوتون علي التعديلات جملة واحدة أم علي كل تعديل علي حدة, ولا يعرفون ما الذي قد يحدث إذا تم رفض التعديلات المقترحة, وما علاقة كل ذلك بالأوضاع السائدة في مصر الآن من فوضي عارمة وفتنة طائفية تكاد تدمر كل ما حققته الثورة. المصريون حتي هذه اللحظة لم يأخذوا مسألة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية بجدية كافية ليس فقط بسبب نقص المعرفة وغياب الحملات الإعلامية, وإنما أيضا لأن ما يرونه حولهم في الشارع والمؤسسات العامة والوضع الأمني لا يقنعهم بإمكانية تنفيذ أي عملية سياسية منظمة. فالناس يتساءلون عما إذا كانت قوات الشرطة بوضعها الراهن قادرة علي تأمين إجراء الاستفتاء, كما يتساءلون عن قدرة الجهاز الإداري للدولة علي توفير ما يحتاجه إنجاح هذه العملية كلها. التحدي الذي يواجهنا هو التصويت علي التعديلات الدستورية بأعداد كبيرة وبنسبة تتجاوز الخمسين بالمائة, فهذا هو المؤشر الوحيد علي أن المصريين قد تغيروا بعد الثورة, وعلي أنهم نفضوا عن أنفسهم الانسحاب واللامبالاة وقرروا العودة للسياسة. المشاركة الجماهيرية الكثيفة ضرورية للتأكيد علي أننا شعب جاد ومهتم بمستقبل وطنه وبالشئون العامة مثل كل شعوب العالم المتحضر, وأن النظام السابق وصناديق اقتراعه المزيفة هي التي كانت تمنعنا عن المشاركة. أدعو المصريون للتصويت بالموافقة علي التعديلات الدستورية ليس لأنها أفضل ما يمكن, ولكن لأنها البديل عن الفوضي الراهنة. فإطالة المرحلة الانتقالية تبدو اختيارا شديد الخطورة في ظل ما نراه حولنا من فوضي وفتن, وأي تأخير في تنفيذ هذه التعديلات لن ينتج لنا سوي المزيد منها. فمصر تحتاج إلي إطار سياسي دستوري ومؤسسي يتمتع بشرعية كافية تسمح له بالتعامل مع التحديات الخطيرة الراهنة, ولا بديل آمن أمامنا سوي الموافقة علي التعديلات الدستورية.