كان النبى صلى الله عليه وسلم مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به صلى الله عليه وسلم فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكى. عن على رضى الله عنه قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلى ويبكى حتى أصبح"رواه ابن خزيمة فى صحيحه فى يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى وهى أول معركة يخوضها المسلمون فى سبيل الله وأول معركة بين الحق والباطل ولذلك سمى القرآن يومها" يوم الفرقان" قال تعالى"وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان"سورة الأنفال آية 41 فهو اليوم الذى فرق الله فيه بين الحق والباطل وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التى وقعت المعركة فيها، وبدر بئر مشهورة تقع بين مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمتأمل فى التاريخ يجد كثرة انتصار المسلمين فى شهر رمضان ففيه أيضا تم فتح مكة فى العام الثامن للهجرة وفيه انتصر المسلمون على التتار فى موقعة عين جالوت فى عام 658 ه وفى هذا الشهر المبارك انتصر المسلمون على الصليبين فى معركة حطين والتى استُرِدَّ بعدها بيت المقدس عام 583ه - وفيه كان انتصار العاشر من رمضان على اليهود 1391 ه لتؤكد هذه المعارك والانتصارات أن شهر رمضان هو شهر العزة والتمكين وانتهت غزوة بدر بانتصار الفئة القليلة المؤمنة من المسلمين على الفئة الكثيرة المشركة من قريش وقتل قائدهم أبى جهل حيث كان عدد المسلمين فى غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم فَرَسان وسبعون جملاً، وكان تعداد جيش قريش ألف رجلٍ معهم مائتى فرس، أى كانوا يشكِّلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريباً إلا أن الله أنزل ملائكته تقاتل مع المؤمنين وتثبتهم كما قال تعالى"إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آَلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ × بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ"آل عمران: 124، 125وهذا رسول الله يصف للصحابة نزول الملائكة من السماء تقاتل مع المسلمين، فعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى قال يوم بدر: "هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ"رواه البخارى وأنزل الله النعاس على المسلمين أمانا لهم ليزيل الخوف من قلوبهم من كثرة عدد عدوهم وقلة عددهم ولينالوا قسطا من الراحة قبل المواجهة الحاسمة فكان الواحد منهم ينام وهو مطمئن كأنه ليس فى حرب مع أن الخائف لا ينام فنام الجميع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بات ليلته يصلى يتضرع إلى الله تعالى أن ينصره بعد أن اتخذ كل الوسائل المادية الممكنة للنصر فى حدود الطاقة البشرية وهنا بكى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ربه ويستغيث به قائلا اللهم أنجز لى ما وعدتنى، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبدفى الأرض فالدعاء والاستغاثة واللجوء إلى الله من أعظم أسباب النصرعلى الأعداء، قال تعالي: "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ" الأنفال: 9.