لم أفكر يوما أن أمسك بالقلم وأكتب حكايتي التي أغلقت عليها قلبي من زمن غير أني في آخر مرحلة من مراحل حياتي وإرهاصات الرحيل تحاوطني بمرض عضال لا مفر منه ولكنها الوصية الواجبة التي أجدني لا أستطيع مواجهة ربي وعلي أكتافي حمل ثقيل قد يودي بي في أعماق جهنم ولعل اعترافي بحقيقة مجهولة أخفيتها سنوات العمرالهالكة قربان توبة ومغفرة أستند إليه في رحلتي للآخرة ونوع من إعادة الحق لأصحابه ولو بعد حين. في صبايا لم أكن أهوي شيئا بقدر نفسي أتطلع إلي ما أريده بأنانية شديدة وأحصل عليه بأي وسيلة حتي لو كان حق غيري وأول من كنت أجور عليهم هم أشقائي فقد كنت مدللا في الأسرة باعتباري آخر العنقود وأتلذذ كلما رأيت شيئا في يد أحدهم عندما آخذه منه قسرا وبتدعيم من أمي وقد لا أكون في حاجة لما أخذت ولكنها الأنانية المتملكة مني منذ نعومة أظافري وما كنت آخذه هدهة ودلعا أخذته, في كبري قهرا فقد خرجت بنصيب الأسد من ميراثي لأبي متجاوزا أشقائي بما جعلت والدي يكتبه لي قبل وفاته. كنت سعيدا بنفسي وبقدراتي في التحايل علي كل شيء واقتناص ما أريد أتسلق إلي القمة بخطي متئدة واثقة لا أرتكن إلي شيء من أخلاق أو فضائل إلا أنني أتواجد في المحافل الدينية والمناسبات وأجتهد في رسم الصورة الذهنية التي أريد أن يراني عليها بعض الناس كي أخترقهم نفسيا لا أجد مدخلا لهم غير التورع والتشدق بمداخلات دينية كي أبدو مثلهم والبعض طريقي إليهم شيء من مجون وما بين هؤلاء وأولئك كنت أحترف التعايش لتحقيق الهدف. انتصرت في كل معاركي الحياتية.. حققت ثروة كبيرة ومكانة اجتماعية لا بأس بها.. تزوجت من امرأة مرموقة لأسرة ثرية وكانت وحيدة أبويها وبالطبع كان الهدف من زواجها الطمع فيها.. حتي أولادي لم يكن في قلبي أي أحاسيس حنان أو عطف عليهم.. كنت أراهم مثل أي مكتسب في الحياة لابد وأن يكونوا مميزين عن غيرهم أغدق عليهم بالمال ليس حبا وحنوا ولكن لأرتفع بهم عن غيرهم حتي مدارسهم الأجنبية كانت زهوا وليست اهتماما. ومضي العمر بي أتغافل الدنيا وتغافلني حتي توفي شقيق لي لم أكن أوده أو أزوره ولم يكن له غير ابنة واحدة وترك وراءه ثروة كبيرة حصل عليها بشقاء وكفاح ولم يكن له وريث غيري وابنته وشقيقتي ومن منطلق أطماعي هرولت إلي الغنيمة.. لم يهتز قلبي حزنا أو فراقا لأخي ولكنني كنت أخطط للاستيلاء علي أكبر قدر من ثروته. انتهت مراسم الدفن وفرضت سطوتي علي البيت وانتهكت كل خزاناته بحثا وطمعا وكانت الصورة الذهنية التي أصدرها لابنة أخي أنه لا أحد يمكن أن يرعاها غيري حتي اطمأنت لي وشيئا فشيئا كان كل ما لأخي لي وتجردت ابنته من كل شيء ولن أطيل في تفاصيل احتيالي عليها فقد كنت محترفا في ذلك ومضت ابنة أخي.. غادرت حياتي ولا أعلم عنها شيئا غير أنها سافرت مع رجل تحبه إلي الصعيد حيث يعمل هناك وانقطعت أخبارها. كلما كنت أنتصر بشيطانية تتضخم ذاتيتي في إبليسية وأدوس بقدمي كل شيء لم أدرك أنه مهما علا طير وارتفع إلا بعدما طار وقع إلا عندما أقعدتني صحتي المعتلة عجزا ووهنا وتأهبا للموت المحتوم بأنياب مرض ينهشني بلا رحمة. و ها أنا علي فراش آخرتي أفيق ولكن بعد فوات الأوان وفكرت لو أنني أعدت حق إخوتي وابنة أخي الراحل واستسمحت من ظلمتهم هل أتخلص من ثقل أوزاري. لقد قرأت قصتك الأخيرة الشيطان العجوز ووجدت في نفسي كثيرا منها وهذا ما شجعني أكتب لك لعلي أستريح من عذاب الضمير. م س القاهرة. إن الصدق مع النفس هو سر الصحوة الإيمانية التي تقود إلي توبة حقة لا رجعة فيها وهو مفتاح سحري لأبواب الرحمة والمغفرة وثق يا أخي أن ما أنت فيه من رغبة صادقة هو بداية الطريق الصحيح لتغيير مسار شيطاني درجت عليه مزهوا بقدرات وهمية علي التحايل والاعتلاء علي كل شيء ما كان لك حق فيه وما لم يكن. لم تكن تدرك بوعيك وما استحققت من ذكاء قيمة الدنيا وحجمها حتي عند من خلقها سبحانه وتعالي الذي صورها أدني من جناحي بعوضة ولهذا كنت في وهم شرس تلتهم كل شيء طمعا وأنانية ومرضا شفاك الله به بما أنت فيه من مرض عضال ولعمري أنه ليس عضالا ولكنه الإحساس بالندم الذي يجعلك تستشعر المرض واقتراب النهاية فلا أحد يعرف موعدا لرحيله والأعمار بيد الله لا نملك لها أمرا غير أنك تملك ما يريحك في الدنيا ويمهد لك الطريق إلي الآخرة بعودة الحق إلي أصحابه وبإعادتك حقوق من أضعت عليهم مالهم ورحمهم. هي عودة الروح لك ولكنها روح طاهرة وصدق الله العظيم عندما قال في محكم آياته إنما التوبة علي الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما(17) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتي إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما(18)( النساء). لهذا أنج بنفسك بما عزمت عليه قبل أن تداهمك غرغرة الموت التي لا ينفع معها توبة وليكن شهر رمضان الذي نستشرف إشراقه علينا هذه الأيام مقدم خير عليك وعليهم يجمعكم علي الحق والخير.