ضعوا برنامجا اقتصاديا جادا وسوف نساعدكم.. عادة ما يكون هذا البرنامج الاقتصادي شرطا مسبقا لمنح التمويل للدولة من البنك الدولي. ويعقبها الوصاية والتحكم التام لصندوق النقد من خلال الوصفات التي ما لم تتوافق عليها الدولة فانها توضع حتما في القائمة السوداء..ففي المرحلة الأولي من برنامج التكييف الهيكلي وهي مرحلة تثبيت الاقتصاد الكلي في الاجل القصير يتم تخفيض سعر العملة الوطنية وتحرير الأسعار وميزانيات التقشف لتمويل سد الفجوة واعادة جدولة الديون الخارجية. تأتي المرحلة الثانية وهي ما تسمي( بالاصلاحات الهيكلية الضرورية), وهذه الاصلاحات تدعمها قروض التكييف الهيكلي من البنك الدولي. وتتضمن اتخاذ تدابير تتعلق بتحرير التجارة واطلاق القطاع المصرفي( من خلال خصخصة البنوك العامة تحت اشراف المؤسسات الدولية مع استيلاء المصالح المالية الأجنبية علي مؤسسات الدولة المصرفية) وخصخصة منشآت الدولة والاصلاح الضريبي بما يعني ادخال ضريبة القيمة المضافة والتغييرات في هيكل الضرائب المباشرة حتما تؤدي الي زيادة عبء الضرائب علي المجموعات منخفضة ومتوسطة الدخل وتخفيف الفقر( من خلال شبكات الأمان الاجتماعي التي تؤدي الي تكريس الفقر فعليا) وسلامة الحكم( وهي في الحقيقة تؤدي الي تكريس الديموقراطيات الزائفة)! ان التحكم غير المباشر لصندوق النقد الدولي عند الممارسة يؤدي الي ان يعمل البنك المركزي( الذي ليس مسئولا أمام الحكومة أو الهيئة التشريعية) كبيروقراطية مستقلة تحت وصاية المصالح المالية والمصرفية الخاصة. وهذه الاخيرة هي التي تملي اتجاهات السياسة النقدية, بما يعني الاستقلال الوهمي للبنك المركزي. كما يقيم الصندوق نظام رقابة ربع سنوي تحت الاشراف الوثيق لصندوق النقد, وبمقتضي نظام الحاسب الالي في وزارة المالية والجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء يتمكن موظفو الصندوق من الوصول الي بيانات الاقتصاد الكلي والفحص الكامل لكافة المعلومات بهدف الحرص علي الا تغشهم الحكومة. كما ان الاشراف علي عملية تخصيص أموال الدولة لا تتمثل فحسب في فرض التقشف المالي والنقدي,وانما علي عملية تخصيص الأموال ووضع أولويات التنمية. وأيضا اعادة تدوير أموال المعونات حيث تنخرط كثير من منظمات المعونة والمنظمات غير الحكومية في مشروعات لا معني لها علي المستوي القاعدي. كما ان العديد من مشروعات تخفيف الفقر بدلا من ان تساعد الفقراء فعليا تمثل دخلا خفيا للقائمين علي تلك المنظمات غير الحكومية والذين يعملون كوسطاء محليين لجماعة المانحين الدوليين! وفي نهاية المطاف فان( أموال المعونة) يعاد تدويرها في استثمارات تجارية وعقارية والمساكن الفاخرة. ان( الدواء الاقتصادي القوي) المتمثل في الوصية النمطية للمؤسسات الدولية لبرامج اعادة الهيكلة الاقتصادية التي يتم تعميمها في دول العالم النامي يدفع الدول الي الاعتقاد بانه ما من حل أخر. فينبغي ان نغلق المنشآت وان يسرح العمال,وان تخفض البرامج الاجتماعية للتعليم والصحة. وفي هذا السياق ينبغي ان تفهم الأزمة الاقتصادية الآنية في مصر..فالاصلاحات حين تدفع الي مداها الأقصي هي بمثابة الانعكاس القاسي( لنموذج اقتصادي) مدمر يفرض تبني جدول الاعمال( النيوليبرالي) في ظل الاقتصاد الرأسمالي الحر علي كافة الدول النامية. والنموذج الصارخ أنه في بداية عام(1993) في روسيا الاتحادية تطورت العلاقة بين الحكومة والبرلمان في اتجاه المواجهة الصريحة. وكانت الرقابة التشريعية علي ميزانية الحكومة وسياستها النقدية تقوض التنفيذ السلس لبرنامج الصندوق. واصدر البرلمان تشريعا أبطأ خصخصة صناعات الدولة, ووضع قيودا علي البنوك الأجنبية, وحد من قدرة الحكومة علي تخفيض الاعانات والمصروفات الاجتماعية كما يطلب الصندوق, وكانت الحكومة عاجزة عن تجاهل الهيئة التشريعية, وعليه, فإن مرسوما رئاسيا الغي البرلمان بمجلسيه باسم( سلامة الحكم) الديمقراطي! عضو المجالس القومية المتخصصة [email protected]