هربًا من كل شىء دخلتُ الFacebook وضغطت Log Out، أغلقتُ الهاتف، المحركات النفاثة دفعت الطائرة بقوة على مدرج ميناء القاهرة الجوى، ورغم كونها ليست الأولى باتجاه أبوظبي، إلا أن الدعوة التى تلقيتها هذه المرة لحضور فعاليات مسابقة شاعر المليون كانت ذات وقع مُختلف نظرًا لقدومها وسط أجواء مصرية ضاغطة، اعتبرتها فرصة لالتقاط الأنفاس، وهناك سيطر عليَ السؤال: ما الذى يجنيه كوكب الإمارات من خلف هذه الفعالية الثقافية وأخواتها؟ لمسة الكرز الأخيرة. مسابقة شاعر المليون التى تنافس فى موسمها السابع هذا العام 48 شاعرًا عربيًا على خمسة مراكز أولى ووصل مجموع جوائزها 15 مليون درهم، هذه الفعالية الخاصة بالشعر النبطى والأشهر بالخليج، إلى جوار مثيلتها أمير الشعراء المعنية بشعر الفصحى والتى تعرفت عليها الجماهير المصرية أول مرة عن قرب من خلال قصائد هشام الجخ عام 2011 ثم تُوج بلقبها المصرى علاء جانب فى 2013، الجهود والأرقام المبذولة فى المسابقتين واحتضان المبدعين من الشعراء العرب فى كلتيهما، هذا كله ينم عن دولة بها عقل يدرك أن مال النفط زائل وثقافة الإنسان الباقية، عقل على قناعة بأن تلك المحافل الثقافية الراقية لمسة كرز أخيرة تمنح الدول المتحضرة حقًا عند الحديث عن نصيبها فى كعكة الريادة. رابطة العنق الأنيقة. وليس الشعر فحسب، قُراء الروايات من المحيط للخليج ينتظرون كل عام على هامش معرض أبوظبى الدولى للكتاب اسم الرواية الفائزة ب الجائزة العالمية للرواية العربية والتى تدار جائزتها بالشراكة مع مؤسسة جائزة بوكر البريطانية، هذه الجائزة التى كانت بالأصل اقتراحًا من الناشر المصرى إبراهيم المعلم والإنجليزى جورج وايدنفلد ، وبغض النظر عن آلاف الدولارات التى يحصدها الروائى المتوج بها، إلا أن الأهم فى هذه الجائزة الرفيعة أنها تترجم الرواية الفائزة وروايات القائمة القصيرة إلى اللغات الأخرى ترسيخًا لحضور الرواية العربية عالميا، هذه الجائزة التى كان أول من فاز بها فى 2008 المصرى بهاء طاهر عن روايته واحة الغروب ومن بعده المصرى يوسف زيدان عن روايته عزازيل ، فاز بها أخيرًا فى 2016 الفلسطينى ربعى المدهون عن روايته مصائر. كونشرتو الهولوكست والنكبة ، أحدهم بأروقة أبوظبى يعى أن الاحتفاء بالرواية مثل رابطة عنق أنيقة لا يمكن لأى مشهد ثقافى أن يكتمل بهاؤه إلا بإحكام عقدها عند مُقدمة قميصه. قِبلة المثقفين العرب. وتخليدًا لذكرى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان كان إطلاق جائزة الشيخ زايد للكتاب الممنوحة سنويًا للمؤلفين والمفكرين والناشرين العرب والبالغ إجمالى مكافآتها حوالى 7 ملايين درهم، هذه الجائزة التى أتمت دورتها العاشرة هذا الشهر، منحت فى نسختها الأخيرة 7 جوائز، منها جائزة شخصية العام الثقافية للكاتب اللبنانى أمين معلوف تقديرًا لتجربته الروائية باللغة الفرنسية والتى نقلت محطات هامة من تاريخ الشرق، فى حين حصل الروائى المصرى القدير إبراهيم عبدالمجيد على الجائزة فى فرع الآداب عن عمله ما وراء الكتابة. تجربتى مع الإبداع والذى كشف فيه للناس كواليس كتابته لرواياته وقصصه عبر السنوات، كل هذا الزخم الثقافى الذى يُعد جزءا صغيرا من كل أكبر، جعل الإمارات بشكل عام وأبوظبى على نحو خاص قبلة أدبية للمثقفين العرب. وبالنهاية، حضرت الفعاليات المثيرة ل شاعر المليون ، ثم عُدت من كوكب الإمارات بأعقاب استراحة ثقافية راقية، وبمجرد ملامسة الطائرة لمطار القاهرة، فتحتُ الهاتف، دخلت صفحة الFacebook، وبعد فراق إلكترونى استمر لأيام ضغطت Log In، وجدت صديقًا وقد نشر تصريحًا لوزير الخارجية المصرى سامح شكرى: مصر ليست رائدة ولا نسعى للريادة.