طلق أنهكته خاصرة الذكريات.. حيث المساء الذي كان موعدا لوضع المولود الذي حبلت به الذاكرة فترة مواسم الحزن أو ربما تزيد عن ذلك ببضعة متاريس ألم وضعت قبل العبور إلي الحتف الأخير للصورة, في رحلة أخذتني فيها أجنحة الزمن إلي بدايات تكوين أناي.. وأنا أحملق في ذاك الطيف الذي كان مني.. سافرت عبره إلي وأنا أطوي كل سجلات العمر للوصول إليه. كانت روحه ترمد تلك الطفلة وهو يروي ظمأ الأسئلة بكل قطرة من شموخ هذا الوطن.. الذي كان هاجس فقدانه في الأزمنة الغابرة, يكشف كل تقاسيم القهر عليه.. حين كان العدو يفتك بالأرواح لقتل إيمان سيجت به كل تفاصيل المستحيل, وخلعت عنه نعال اليأس, برغم الجمر الذي كان يحف الجسر, والتخلص نهائيا من كل براثن الليل الطويل.. لم يكن المخاض عسيرا بقدر ما حمله ذاك البرواز. من لهفة لقاء لن يكون..لهفة أعادت بحرائقها الجسد المنهك بين تقاطع الأقدار, إلي رحم الصورة لمعانقة أب.. ارتأي الموت إلا أن يغيبه دون وداع أخير.. ودون أن تكمل الحقيقة أجزاءها المتبقية علي جبين الواقع الوهمي.. مشغولة أنا بمحطة الوطن, لترجني لحظة كانت لتأبين حلم وتشييعه إلي بداية النهاية, في سخرية الحياة الجديدة للموت الأبدي للزهور في ربيعها الأبتر.. لأكتشف أن غيابه كان زلزالا خلف وراءه لا منطق للأشياء في فوضي للحواس, وتحريض بائن للريح لخلط أوراق الشجر.. لقد كان ذاك الوقوف أمام البرواز وما حملته معه صفحات الذكري بمثابة الجرس الذي استوقفني لأعيد ترتيب الأشياء.. فأحيانا صورة صغيرة بحجم الحياة تكفينا لتحدث تلك الهزات الكونية في الروح حتي تتآمر الأسئلة لإضرام النسيان في الخريطة الخط.. وربما.. كانت تكفي لأن يشتعل القلم حبرا لالتقاط الضوء من أول الحلم.. نسيمة بن سودة كاتبة جزائرية