سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في مواجهة تهويد التاريخ.. صرخة أخيرة نظريات فليكوفسكي الخرافية عن التاريخ المصري.. مثقفون مصريون ترجموها
.. وعلماء أجانب فندوها.. ووزارة الثقافة تجاهلتها دون إبداء أسباب
كتبت تحت هذا العنوان في مواجهة تهويد التاريخ3 حلقات متصلة, تناولت فيها جهود عدد من المثقفين المصريين الوطنيين بحق, الذين انكبوا علي ترجمة ودراسة وتفنيد واحدة من أخطر الأعمال الفكرية, وأكثرها قذارة وحقدا علي مصر والمصريين, ملأها بالأكاذيب, ودس فيها السم بالعسل, مستندا في ذلك علي جملة مشهورة نرددها بسذاجة غريبة, ونلوكها صباحا ومساء, دون تمحيص أو نقد, وكأنها لبانة في الفم. نرددها قائلين: إننا أمة لا تقرأ, وإذا قرأت لا تفهم, فإذا قدر لها أن تفهم, سرعان ما تنسي, فيندس العدو بيننا, مثيرا الأكاذيب والفتن..ويشعل الحرائق في بيوتنا, فلا نكاد نفيق حتي نجده قد قضم أراضينا.. قطعة..قطعة فقطعة ونحن نيام في ظلال هذه الفوضي المعلوماتية التي تضرب بقسوة عقول الكبار قبل الصغار. ولكل ما سبق من أسباب أقدم لك عزيزي القارئ قراءة في كتاب العلماء يواجهون فليكوفسكي كارل ساجان وآخرين, ترجمة رفعت السيد علي, عصور في فوضي المجلد الأول الجزء الأول رؤي نقدية الناشر سنابل للكتاب. بداية فإن التحليل النقدي للفرضيات التي طرحها فليكوفسكي في عوالم في تصادم, يوضح أن المنطلق الأساسي لهذه الفرضيات, يرتكز علي أن الأحداث العظمي في تاريخ كوكب الأرض, وكواكب المجموعة الشمسية الأخري, نتجت عن كوارث كونية, وقد حاول فليكوفسكي إثبات فرضياته من خلال مجموعة كبيرة من الخرافات والأساطير, متجاهلا إنه إذا كان الدليل المادي هشا, وضعيفا, ولا يوجد ما يثبته, فإن البرهان الديني, أو الأسطوري, لا يستطيع أن يقف علي أقدامه, ولا يكفي وحده لإثبات صحة هذه الافتراضات. ويلخص لنا كارل ساجان الملامح الرئيسية لافتراضات فليكوفسكي, وأحكامه التي أطلقها كأنها نبوءات مؤكدة: كوكب المشتري يلفظ من كتلته الهائلة مذنبا ضخما, يتجه مباشرة إلي كوكب الأرض فيحتك به, كل الكوارث والبلايا العشر التي حلت بمصر الفرعونية المذكورة في سفر الخروج, والتي واكبت خروج بني إسرائيل من مصر, تعود كلها إلي ذلك الاقتراب, فالمادة التي تساقطت من المذنب هي التي صبغت نهر النيل بلون الدم, والهوام التي عجت بها مصر, وكذلك الذباب والخنافس كلها تساقطت من المذنب, وقضي الزلزال الناجم عن المذنب علي المصريين, بينما لم يؤثر علي العبريين,( ما أغفل فليكوفسكي ذكر سقوطه من المذنب هو مادة الكوليسترول لتزداد بها صلابة وقساوة قلب الفرعون علي العبرانيين). وبسبب جاذبية المذنب أو مجاله المغناطيسي انشق البحر الأحمر, في نفس اللحظة التي ضرب فيها موسي بعصاه علي الصخر, وحين أتم اليهود عبور البحر المنشق بنجاح, كان المذنب قد تجاوز موضعه, فانهارت جبال المياه المنشقة, وأغرقت جيش فرعون مصر, أما أبناء إسرائيل الذين تاهوا في برية سيناء أربعين عاما, فقد كانوا يتغذون علي المن, والذي أوضح فليكوفسكي الآن أنه كان مادة هيدروكربونية( او كربوهيدراتية) متساقطة من ذيل المذنب, ثم بعد موت موسي وانتقال القيادة إلي يشوع, ينطلق المذنب ذاته- مرة أخري ليقترب من الأرض, وفي نفس اللحظة التي يصيح فيها يشوع( يا شمس اثبتي في مكانك), وربما بسبب مجال مغناطيسي للمذنب, أجبرت الأرض علي التوقف عن الدوران, حتي تتوقف الشمس في مكانها وتسمح ليشوع بانهاء معركته. تلك هي القصة التي يصعب أن يعترض عليها المؤيدون أو المعارضون, ويتساءل ساجان: هل يعد من حسن حظ فليكوفسكي أن تلك القصة محصنة ضد البحث العلمي؟. إن ما أعتقد به لا يتعلق بمدي الهرطقة العلمية التي تتسم بها التفسيرات, وقد اكتشفت إنه لا ناقدي فليكوفسكي ولا مؤيدوه, قد قرأوا أعماله بالعناية اللازمة, بل إنني وجدت بعض الجوانب التي لم يقرا فيها فليكوفسكي نفسه- أعماله بدقة. كانت الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم(AAAS) عقدت مناظرة حول كتاب عوالم في تصادم, وقد وضع العلماء مؤلف فليكوفسكي تحت مجهر الفحص العلمي, وناقشوا فرضياته وأفكاره, وطبقوا عليها قوانين نيوتن للحركة, قوانين بقاء الطاقة, قوانين ميكانيكا الفضاء, آليات حركة الأجرام السماوية, كما قاموا بمقارنة النتائج التي توصل اليها فليكوفسكي بنتائج الأبحاث التي عادت بها المركبات الفضائية الأمريكية والسوفييتية, وقد لاحظ العلماء أن هناك مشكلات عشرا ضربت فليكوفسكي في فرضياته ونتائجه كما ضربت البلايا العشر قدامي المصريين وهي:1- انفصال الزهرة كمذنب عن المشتري,2- المواجهات المتكررة بين الأرض والزهرة والمريخ,3- دوران الأرض وتوقفها عن الدوران,4- جيولوجيا الأرض,5- الكيمياء الحيوية للنباتات الأرضية,6- المن,7- سحب الزهرة و الغازات المكونة لها,8- درجة حرارة الزهرة,9- حفر وفوهات سطح الزهرة,10- استقرار الزهرة في فلك شبه دائري. تعالوا بنا نستعرض هذه المشكلات, بلغة بسيطة, ودون الدخول في التفصيلات العلمية الثقيلة علي أذهاننا, والتي أسهب العلماء بتخصصاتهم المختلفة- في شرحها في أبحاثهم المقدمة في المناظرة المشار إليها. المشكلة الأولي: انفصال الزهرة كمذنب عن المشتري: إن انقذاف مذنب أو كوكب من المشتري يحتاج لطاقة حركة مهولة, تتحول في جزء كبير منها- إلي طاقة حرارية, تصل إلي بضعة آلاف من الدرجات, وسواء كان الجزء المنفصل يتكون من صخور أو جليد أو مواد عضوية, فانه ينصهر تماما, ويتحول كلية إلي رذاذ من الأتربة والذرات, لا يحمل بعدها أي صفة من صفات الكوكب الأم, كذلك لا يوجد دليل أو علامة علي الأرض يدل علي سقوط كتل حديثة علي الأرض علي مدي الآلاف الأخيرة من الأعوام, كما أن عدم وجود أجرام ذات أفلاك تتقاطع مع مسار الأرض, يعد من الاعتراضات الجوهرية التي تنقض الافتراضات الأساسية لفليكوفسكي. والمشكلة الثانية: المواجهات المتكررة بين الأرض والزهرة والمريخ: إن اصطدام مذنب بكوكبنا يخضع لحساب الاحتمالات, وهو ما أغفل فليكوفسكي ذكره لسوء الحظ. أما المشكلة الثالثة فتتعلق بدوران الأرض وتوقفها عن الدوران, والحقيقة أن هذه المشكلة تذكر بمثيلتها التي ظهرت في فيلم سنيمائي عن قصة لرائد أدب الخيال العلمي,( ه.ج.ويلز). والمشكلة الرابعة: جيولوجيا الأرض حيث يقول فليكوفسكي( أثناء الخروج من مصر, كان العالم يرتجف ويهتز وتمطره الصخور المنهالة من السماء, وتقيأت كل براكين الأرض حمما منصهرة, واجتاحت كل القارات موجات متتالية من الزلازل العنيفة, وانعكس قطبا الأرض, صار القطب الشمالي إلي الجنوب, وصار القطب الجنوبي في الشمال). كما أظهرت التحليلات الطيفية الضوئية لذيول المذنبات حتي قبل ظهور كتاب عوالم في تصادم عام1950, وهذه هي المشكلة السادسة, وجود نسبة ضئيلة من المواد الهيدروكربونية في ذيول المذنبات, إلا إنها تخلو من الألدهيد, وهو الوحدة الأولية التي تتكون منها المواد الكربوهيدراتية, ولكن لنترك هذا الاعتراض الجوهري جانبا, ولننضم إلي فليكوفسكي في افتراضه, وبحسبة بسيطة لما يترتب علي صحة هذا الافتراض, كم من المن مطلوب لإطعام بني إسرائيل أثناء التيه علي مدي أربعين عاما؟, يؤكد فليكوفسكي أن كميات المن التي كانت تسقط كل يوم كانت تكفي لإطعام بني إسرائيل لألفي عام لا أربعين فقط, ومع افتراض أن الفرد يحتاج إلي ثلث كيلو جرام من المن كغذاء يومي, سندع لكم حساب الكمية المطلوبة لإطعام الآلاف من بني إسرائيل لمدة أربعين عاما, والحجم المطلوب من ذيل المذنب لإنتاجها, وليحكم القارئ بنفسه علي مدي صحة فرضيات فليكوفسكي علي ضوء هذه الحسابات. أما المشكلة السابعة: فتتعلق بموضوع سحب الزهرة والغازات المكونة لها حيث يقول فليكوفسكي( إن إثبات وجود غازات هيدروكربونية, وأتربة, في السحب المحيطة بالزهرة, سيكون اختبارا حاسما علي صحة الفرضيات كلها), وهنا نتبين مثالا آخر علي تشوشه وخلطه بين الهيدروكربونات والكربوهيدرات, وبالبحث باستخدام تقنيات التحليل الطيفي, اجمعت كل الأبحاث والرصد والنتائج علي أن غلاف الزهرة مكون بصفة أساسية من غاز ثاني أكسيد الكربون, كذلك لم تثبت مارينر2 ولا غيرها من سفن الفضاء التي تلتها, وجود أي هيدروكربونات ولا كربوهيدرات في اي صورة حول الزهرة, وعلي ذلك فان فرضيات فليكوفسكي حول سحب الزهرة لا تحمل اي قدر من الصحة, وأثبت الاختبار الحاسم فشلها. والمشكلة الثامنة: درجة حرارة الزهرة لقد افترض فليكوفسكي أن الزهرة ساخنة بسبب المواجهات التي وقعت بينها وبين كل من الأرض والمريخ, وكذلك مرورها حين كانت مذنبا بالقرب من الشمس, ولو افترضنا صحة ذلك من باب الجدل, لأظهرت الحسابات ان ذلك لو كان قد حدث, فان الزهرة تفقد كل ما اكتسبته من حرارة خلال شهور كحد أدني, او خلال بضعة أعوام كحد أقصي, وانه لا يوجد اي سبب يجعل الكوكب يحتفظ بالحرارة حتي عصرنا الحالي, ولكن بعد التأكد من التركيز العالي لغاز ثاني أكسيد الكربون, بالإضافة الي تركيزات بسيطة من بخار الماء, وكذلك الرصد بالمطياف الضوئي للأشعة تحت الحمراء الصادرة عن سحب الزهرة, فان كل ذلك يثبت أن درجة الحرارة التي عليها كوكب الزهرة, هي بسبب ظاهرة الصوبة الزجاجية, أي يثبت عدم صحة هذه الفرضية أيضا. المشكلة التاسعة: حفر وفوهات سطح الزهرة فمن خلال التصوير الإداري الذي اخترق سحب الزهرة- تم الكشف عن ان سطح الزهرة مليء بالحفر والفوهات, حدثت بسبب اصطدام صخور فضائية هائمة لا بسبب تدفقات بركانية, وهي نتائج لم يتنبأ بها فليكوفسكي, وما يهمنا في ذلك هو أن الأجرام التي ارتطمت بسطح الزهرة وكونت تلك الفوهات والحفر, لا يمكن ان تكون قد ارتطمت بسطحه خلال الآلاف العشرة الأخيرة من الأعوام, وهو ما يتعارض بشكل مباشر مع فرضية فليكوفسكي التي تذهب إلي أن الزهرة انفصلت كمذنب عن سطح المشتري من0053 سنة مضت. والمشكلة العاشرة والأخيرة: استقرار الزهرة في فلك شبه دائري: ان فكرة فليكوفسكي التي تذهب إلي أن الزهرة قد تحولت علي مدي بضعة آلاف من السنين, من جرم فضائي يسبح في مدار غير مركزي, الي جرم يسبح في مدار مركزي يعد من أكثر المدارات انتظاما, تتناقض مع ما هو معروف عن آليات الحركة للأجرام الثلاثة, الأرض والزهرة والمريخ, إلا إننا لابد أن نقر أن المشكلة لم تحل حلا كاملا, وكثرت حولها الخلافات و الاختلافات, إلا أنها كلها ضد فرضيات فليكوفسكي في هذا الشأن وتتناقض معها, وسيكون من العجيب جدا أن يكون لمذنب فليكوفسكي أي وجود, فضلا عن أن يكون قد تحول ليصبح كوكب الزهرة. بعد هذه القراءة لكتاب العلماء يواجهون فليكوفسكي, ما هي النتائج النهائية التي توصل إليها العلماء, في نهاية الأبحاث التي قدموها؟ قال عدد من العلماء الأجانب المنصفين أن كتاب عوالم في تصادم محاولة لإثبات صحة ما ورد في القصص الديني كتاريخ لا كعقيدة, إلا أنه يصطدم بمشاكل علمية خطيرة حول جوهر فرضياته, ولم تثبت صحة أي فرضية منها, كما لم تكن متوافقة مع النظريات والقوانين الفيزيقية الأولية البسيطة أو الرصد العلمي الصائب, ولم يتوصل فليكوفسكي إلي تنبؤ واحد صحيح, ولم يجاوز ما قدمه التخمين المتسم بالغموض, ولو كنا مجبرين علي الاختيار, ولسنا مجبرين, أليس من الأفضل اختيار القصص الديني بدلا من مذنب فليكوفسكي ؟. وبعد..إن من يسعي لإثبات حدوث كوارث كونية قريبة خلال الآلاف الأخيرة من عمر الأرض, عليه أن يحاول ذلك بعيدا عن مجال علم الفلك, ومن الحكمة ألا ينسي أن هناك استحالة في التوفيق بين ما يجده من أدله, وبين الحقائق الفلكية القاطعة, التي ستنفي ذلك بكل يقين.