لا تزال الطبول تدق للحياة والسلام في مصر, تنتهي اليوم الدورة الرابعة لمهرجان الدولي للطبول والفنون التراثية التي شاركت فيها20 دولة شكلت الفرق الإفريقية فيها النصيب الأكبر, لتستدعي من الذاكرة الإفريقية مشاهد تأسرك بسحرها, صدقها, بهجتها وحزنها,فلطالما كانت الطبول تقرع في إفريقيا كلها ليعقبها لحظات من الغناء,الرقص والتواصل الإنساني الجميل... علي مر التاريخ. فعلي مسرح بئر يوسف بقلعة صلاح الدين في قلب القاهرة وتحت أضواء ليلها الساحر أعادت إلينا فرق الطبول الإفريقية بعضا من هذه المشاهد المتفردة, لترحل بعيدا علي وقع دقات الطبول وتتخيل نفسك في الصحاري والغابات الإفريقية تتراقص أمامك النيران وحولها يرقص أبناء قارتك السمراء بينما تتهادي إلي اذنيك أغنيات من التراث تستحوذ علي مشاعرك فتأخذك من كل الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتراكمة في الأدراج لتفعل فعل الأجداد حينما كانوا يتخذون من الطبول, الرقص والغناء واحة لهم, ووسيلة مشروعة لمواجهة مشاكل القارة وترويض الحياة العنيدة! وبينما كانت الفرق المشاركة في المهرجان الذي شهد هذا العام إقبالا غير مسبوق من جانب الدول الإفريقية مثل جنوب إفريقيا وغانا وأثيوبيا ونيجيريا والسنغال والسودان وتنزانيا وغيرها تقدم إبداعاتها وفنونها التراثية علي خشبة المسرح في توظيف للطبول كلغة سلام وتناغم مع الآخر كانت نسمات ليل القاهرة تحمل مزيدا من المشاهد واللحظات الأثيرة وثيقة الارتباط بالطبول لدي أبناء القارة, والتي تمس- بحسب وصف انتصار عبد الفتاح رئيس المهرجان وصاحب فكرته- أوتار القلب وتساعد الشعوب الإفريقية علي التقارب فيما بينها من ناحية ومد أيديها من ناحية أخري للثقافات والحضارات الأخري من خلال لغة الفن, وإذا كان المهرجان لا يقتصر علي الطبول الإفريقية, فإنه لا يخفي علي أحد أن إفريقيا هي مهد الطبول والإيقاعات, وهو وبخاصة في دورته الرابعة هذه وفي ظل المشاركة الواسعة المتميزة لفرق الطبول الإفريقية إنما يعد المهرجان أيضا توثيقا للموسيقي التقليدية للقارة والمعتمدة في جانب كبير منها علي الطبول, وهو ما يساهم بدوره في توثيق التاريخ والحضارة الإفريقية عبر العصور كجزء أصيل من الهوية الثقافية لقارتنا السمراء. وكانت دقات الطبول التي تطلقها الفرق في سماء القاهرة في إطار مهرجان حوار الطبول من أجل السلام والذي تؤكد الدكتورة نيفين الكيلاني رئيس صندوق التنمية الثقافية علي ريادته وتفرده في المنطقة تارة تأخذك إلي أفراح إحدي القبائل الأفريقية حيث يعلق الرجال علي صدورهم العاج باشكاله المختلفة كقرن الخرتيت أو خرطوم الفيل أو رأس الأسد بقوته وشجاعته, ومعهم النساء يرتدين عقود الخرز الملون ذات الحبات الكبيرة, وتعلو رؤوسهن السلال ممتلئة بالفواكه في مشهد من البهجة تكون فيه البطولة للطبول التي يرقص عليها الجميع في سعادة بالغة, ومن الأفراح إلي الاحتفال بميلاد الأطفال علي أصوات الطبول, ثم تصاحبه عندما يكبر في احتفالات لدي بعض القبائل بمناسبة وصول الصغار إلي سن البلوغ تسمي بالعبور ومنها إلي الموت, لتعيش الطبول مع الإنسان الإفريقي في مختلف مراحل حياته, وتارة تدعوك إلي مشاركة قداس علي الطبول الإفريقية يحترم فيها رجال الدين عازفي الطبول ويقدرونهم, وتارة أخري تأخذك هذه الموسيقي إلي الحياة اليومية للأفارقة فبجانب الوظيفة الموسيقية لها كانت الطبول تستخدم أيضا كوسيلة للاتصال عبر المسافات البعيدة عن طريق النقر عليها بسبل مختلفة يعكس كل منها دلالات خاصة, ثم تعود بك دقات الطبول علي خشبة المسرح إلي مصر والتي عرفت الطبلة منذ قدماء المصريين الذين صنعوا طبولا عملاقة يؤكد بعض الباحثين أن كثيرا من المعمار الفرعوني قد تم انجازه علي قرع الطبول, ثم استخدمتها مصر في العصر الحديث في فرق التخت الموسيقي حيث يتم تدرسيها في الكليات والمعاهد المتخصصة في الموسيقي حيث تدرس كفن, وهي وثيقة الصلة بالوجدان المصري الذي يحتل جانبا مهما منه صوت إيقاعها المصاحب لنداء المسحراتي في شهر رمضان اصحي يا نايم وحد الدايم وهو يحمل طبلته ويلف بها الشوارع والحارات في مختلف الأرجاء. وتمثل الطبلة أساس الموسيقي الإفريقية بشكل عام, ولكنها تتعدد وتختلف أنواعها ما بين القبائل والدول الإفريقية, وتتلاقي في أنها ذات لغة حركية واحدة, ذلك أن الإيقاع الإفريقي يتغير داخل الرقصة الواحدة فتتغير مناطق الضغط العادية داخل المازورة التي تكون الوحدة الزمنية للحن وذلك هو ما يفسر سر الحيوية الشديدة للرقص الافريقي, ولأن الرقص الإفريقي وثيق الصلة بالإيقاع فإن أنواع الطبول تتعدد لتستطيع القيام بهذه المهمة الايقاعية المميزة, ونجد طبولا ضخمة وأخري عادية, وبعضها يتم صناعته من أشجار البوص والبعض الاخر يصنع من الأشجار الجافة, وهناك تلك التي تصنع من نبات القرع, وبشكل عام يتم تغطية معظم الطبول بجلود الحيوانات الرقيقية, حيث تشد بإحكام الأمر الذي يساعد علي ثراء وتنوع أصواتها. وفي إضافة جديدة للمهرجان شهد هذا العام تنظيم ورش فنية من شأنها علي حد تعبير الفنان التشكيلي محمد عبلة أن تكشف المزيد من الفن و الجمال الإفريقي من خلال أعمال مستوحاه من التراث خاصة التراث الإفريقي.